في مشهدٍ لم يكن مألوفًا خلال السنوات الماضية، عادت اليوم عائلات مهجّرة من مدينة عفرين إلى ديارها شمال محافظة حلب، بعد تهجير دام عدة سنوات.
هذه العودة التي تمّت بدعم مباشر من الحكومة السورية، أثارت تساؤلات حول جدّية الدولة في طيّ صفحة التهجير والانقسام، وفتح مسار حقيقي نحو المصالحة الوطنية.
سُجّلت بدايات النزوح الجماعي من عفرين في يناير- مارس 2018، عقب سيطرة الجيش الوطني السوري مدعوماً من الجيش التركي على المدينة بعد طرد ميليشيات قسد من المدينة ، مما دفع العديد من السكان للهجرة بسبب الحرب واستقر أغلب المهجّرين في مناطق الرقة والحسكة والقامشلي،
ضمن ظروف معيشية صعبة وغياب للرعاية والخدمات، وسط صمت دولي طويل تجاه معاناتهم.
اليوم، وبدافع من الحكومة السورية، يعود قسم من هؤلاء إلى منازلهم، تحت وعود بإعادة الإعمار، وتأمين الخدمات الأساسية، وتوفير الحماية المحلية من قبل الجهات الأمنية الرسمية.
الحكومة السورية ترى أن هذه العودة هي “خطوة نحو سوريا المتصالحة”، حسب ما نقل مصدر رسمي، مشيرًا إلى أن “أبواب العودة مفتوحة أمام الجميع، بغض النظر عن العرق أو الدين، بضمان أمن محلي وحماية شاملة”.
ويضيف المصدر أن الحكومة “تسعى إلى توفير التعليم والصحة والبنية التحتية للعائدين، ضمن مشروع وطني شامل لإعادة بناء ما دمّرته سنوات الحرب”.
لكن مع ذلك، يربط البعض هذه الخطوة بأبعاد سياسية تتعلق بمحاولات الحكومة استعادة الشرعية الشعبية في الشمال السوري، وعودة الحديث عن اللامركزية والمصالحات.
أمل العائدين… وهاجس المستقبل
يعبّر العائدون عن فرحتهم بالعودة، لكنهم لا يخفون قلقهم من الواقع الخدمي والاقتصادي في المدينة. يقول “أبو محمد”، وهو مهجّر عاد من القامشلي:
“عدنا لأننا تعبنا من النزوح وعودتي لمنزلي فرحة لاتوصف، لكننا لا نعرف ماذا ينتظرنا هنا… نحتاج لضمانات حقيقية لا كلام فقط.”
بينما ترى “أم خليل”، وهي معلمة سابقة، أن العودة إلى عفرين “خطوة في الطريق الصحيح”، مؤكدة أن
“الحياة لا تُبنى إلا فوق الأرض التي عرفناها أطفالاً.”
سوريا لكل السوريين؟
فيما تسعى الحكومة لمشروع “سوريا لكل السوريين”، كمظلّة جامعة لجهود إعادة الاستقرار والعيش المشترك، في مواجهة ما تصفه بـ”مشاريع التقسيم والتفتيت”. غير أن مراقبين يرون أن الطريق لا يزال طويلاً، ما لم ترافق هذه العودة خطوات حقيقية للمحاسبة، وردّ الحقوق، وضمان الحريات.
في النهاية، تبقى عودة مهجّري عفرين خطوة مؤثرة في المشهد السوري، محمّلة بالتناقضات والآمال، معلّقة بين واقع هشّ وحلم بالوطن الواحد.