الهلال الأحمر السوري بين الإنصاف والتهميش… شهادة متطوع سابق عمر حلابو

متطوعو الهلال الأحمر في حلب.. بين خدمة المدنيين ومخاطر الملاحقة الأمنية

منذ السنوات الأولى للثورة السورية عام 2011، لعبت المنظمات الإنسانية دوراً محورياً في إنقاذ الأرواح وتقديم الدعم للمدنيين وسط حصار وقصف ودمار. غير أن خلف هذه الصورة، برزت أصوات متطوعين تقول إنهم تعرضوا للتهميش والإقصاء، رغم إخلاصهم وتفانيهم في العمل الميداني.

عمر حلابو، أحد متطوعي الهلال الأحمر في مدينة حلب، عمل في أحياء حلب الشرقية و ريف حلب الخارج عن سيطرة النظام، حيث كرّس نشاطه لخدمة السوريين في تلك المناطق. غير أنه كان يتجنب العمل مع فرق الهلال الأحمر في المناطق الخاضعة للنظام، بسبب المخاوف الأمنية التي لاحقت عدداً من المتطوعين الذين عملوا سابقاً في المناطق المحررة.

وكان عمر يخشى على حياته، خصوصاً مع وجود شخصيات داخل الهلال الأحمر على علاقة وثيقة بالأفرع الأمنية، رغم تبنّي المؤسسة لشعار “الحياد”. ومن المعروف أن كل من عمل في تلك الفترة بصدق وأمانة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام كان عرضة للاستهداف من قبل الأجهزة الأمنية. لذلك، اقتصر عمله على المناطق المحررة، تجنّباً للمخاطر التي أودت بحياة أو حرية بعض زملائه المتطوعين.

في هذا السياق، أدلى المتطوع السابق في الهلال الأحمر – فرع حلب، عمر حلابو، بتصريحات خاصة لوكالة الصحافة السورية، طالب فيها بإنصاف كل متطوع حُرم من التقدير أو عوقب ظلماً، مؤكداً أن العمل الإنساني يفقد جوهره حين يُقمع صوت الحق.

يستعيد عمر تفاصيل مريرة عاشها مع زملائه المتطوعين في مدينة حلب، وخاصة في الأحياء الشرقية قبل إحكام النظام البائد سيطرته عليها أواخر عام 2016.

ويقول في شهادته: “في 25 تشرين الثاني 2015، تم اعتقال زميلنا وصديقنا مصعب خوجة أثناء عودته من مهمة إنسانية. وفي حي المشارقة، أوقفته مجموعة تابعة للأمن العسكري واقتادته إلى مكان مجهول. منذ ذلك اليوم، اختفى مصعب دون أي توضيح من إدارة الهلال الأحمر. كنا نطالبهم بالتحرك، وكان الجواب دائماً مجرد وعود: (سيعود خلال أيام)، لكنها وعود لم تتحقق حتى الآن.”

ويضيف أن الإدارة اكتفت بتسريب أخبار متناقضة وغير دقيقة، فتارةً يقال إنه مريض بالسل، وتارةً أخرى إنه لا يتناول الطعام، دون أي موقف جاد أو تحرك قانوني لإنقاذه. حتى اليوم، لا يزال مصير مصعب خوجة مجهولاً.

و يضيف: لم تقف معاناة المتطوعين عند هذا الحد. ففي 20 أيلول 2016، استُهدفت قافلة مساعدات إنسانية متجهة إلى ريف حلب الغربي، ما أسفر عن استشهاد عدد من العاملين، من بينهم الزميل عمر بركات.

ويروي عمر:
“طالبنا وقتها الإدارة بموقف واضح تجاه الجريمة، لكن الرد كان دائماً: (نلتزم الحياد). وعندما عبرت عن رأيي على صفحتي الشخصية، فوجئت بفصلي مباشرة من الهلال الأحمر وتهميشي من العمل الإنساني، رغم أن الجميع يعرف إخلاصي في عملي.”

وبعد تهجير أهالي حلب وخروج المتطوعين منها، حاول عمر الحصول على ورقة توصية (أكمانديشن) تثبت عمله في الهلال الأحمر، لكنه قوبل بالرفض مراراً.

“دون هذه الورقة لم أستطع التطوع مع منظمات أخرى، بينما حصل عليها آخرون بسهولة، حتى من لم يكونوا ملتزمين بالعمل كما يجب. تسع سنوات وأنا أطالب فقط بإنصافي. لم أطلب معروفاً، بل حقي كمُتطوع خدم بصدق وكان شاهداً على أدق تفاصيل المرحلة، لكنه خرج منها بلا دعم ولا تقدير.”

اليوم، وبعد سقوط النظام، يرفع عمر حلابو صوته مطالباً إدارة الهلال الأحمر بمراجعة سياساتها تجاه متطوعيها ويقول:
“أطالب بإنصاف كل من تم تهميشهم أو طردهم لأنهم نطقوا بالحقيقة. العمل الإنساني لا يكون إنسانياً إذا أسكت صوت الحق، والإنسانية الحقيقية لا تتحقق إذا جاءت على حساب العدالة.”

قصة عمر حلابو ليست مجرد شهادة شخصية، بل تعكس معاناة شريحة واسعة من المتطوعين الذين عملوا بصمت وسط الخطر، وخرجوا بلا إنصاف ولا اعتراف. وبينما ترفع المنظمات الإنسانية شعارات “الحياد” و”العمل الإنساني”، يبقى السؤال مفتوحاً:
هل يأتي اليوم الذي يُنصف فيه كل متطوع قدّم حياته وجهده ثم أقصي أو هُمِّش لأنه رفض الصمت؟

Exit mobile version