التعليم ليس مجرد مناهج تُلقّن للطلاب، بل هو أداة لبناء العقول وترسيخ القيم الوطنية والإنسانية. ومع ذلك، يبدو أن السلطة الجديدة في سوريا لم تدرك هذا البعد الأساسي عندما أجرت تعديلات على المناهج الدراسية، أثارت موجة غضب واستياء شعبي.
ففي خطوة أثارت التساؤلات أكثر مما قدمت إجابات، قامت “وزارة التربية والتعليم” في الحكومة المؤقتة بشطب مواد ودروس أساسية من المناهج، ومن بين هذه التعديلات، حذف دروس تتعلق بعمل الدماغ، وإزالة فقرات ترتبط بالقانون والتاريخ الوطني.
قرارات كهذه ليست مجرد تغييرات تقنية، بل هي انعكاس لرؤية ضيقة ومحدودة لدور التعليم في بناء مجتمع واعٍ ومستنير.
مناهج بلا هوية
الخطير في هذه التعديلات أنها تمس جوهر التعليم في سوريا، فعندما يتم تجاهل دروس أساسية تشكل وعي الطلاب العلمي والوطني، يُطرح السؤال: ما الهدف من هذه التغييرات؟
قال أحد الناقدين، موجهًا سهامه إلى السلطة القائمة:
“عيب استحوا.. في دكاترة أمضوا حياتهم بدراسة أصول وضع المناهج التربوية بسوريا وبيعلموا العالم كله، ابعثوا إلهم وتعلموا شوي على الأقل قبل ما تخبصوا وتضحكوا العالم علينا، قال حذف دراسة الدماغ!”
هذا الاقتباس يلخص الغضب الشعبي، حيث يرى الكثيرون أن هذه التعديلات تفتقر إلى أي سند علمي أو تربوي، وأنها تأتي كمحاولة لتفريغ المناهج من محتواها الحقيقي، واستبدالها بمفاهيم بعيدة عن الواقع والتحديات التي يواجهها الشعب السوري.
التاريخ.. الضحية الأكبر
ليس مفاجئًا أن تكون مادة التاريخ من بين المواد المستهدفة في هذه التعديلات، فلطالما كان التاريخ في سوريا ميدانًا للصراعات الفكرية والسياسية، ومع ذلك، لا يمكن التسامح مع محاولات طمس الحقائق أو تشويهها بحجة التعديلات.
يعلق أحدهم بسخرية لاذعة:
“شطب للتاريخ وحقائقه، ومسح لكل ما يمت لمفاهيم ‘الوطن’ و’القانون’ بصلة. على السلطة الجديدة احترام السوريين أولاً ومخاطبتهم بشفافية. السؤال بسيط: دولة ديمقراطية مدنية لجميع أبنائها أم دولة إسلامية هجينة؟”
هذا التساؤل مشروع، ويعكس قلق السوريين من أن تتحول المناهج إلى أدوات دعائية تروج لأيديولوجيات سياسية أو دينية بعيدة عن قيم الدولة المدنية.
إدارة التعليم.. أم إدارة الفوضى؟
ربما يكون السؤال الأهم هو: ما الذي يجعل سلطة انتقالية، محدودة الصلاحيات وفق تعريفها الذاتي، تُقدم على إجراء تغييرات بهذه الأهمية؟
قال أحد المنتقدين، موجهًا كلامه إلى رئيس الحكومة :
“هذه حكومة تصريف أعمال، مالك أي سلطة دستورية لتغيير المناهج، إذا كنتم مصرّين على العبث بالتعليم، فتعلّموا أولاً من خبراء المناهج السورية الذين علّموا العالم.”
إن إدارة التعليم بهذه الطريقة، ودون الرجوع إلى المختصين أو استشارة المجتمع، تعكس غياب التخطيط والرؤية. التعليم ليس ملعبًا للتجارب، ولا يجب أن يكون رهينة للمصالح السياسية.
رسالة إلى السلطة: التعليم ليس ترفًا
إذا كانت السلطة الجديدة تسعى لكسب ثقة الشعب، فعليها أن تبدأ باحترام عقول السوريين، السوريون لا يطلبون المستحيل، يريدون نظامًا تعليميًا يرتقي بأبنائهم إلى مستوى العالم، لا أن يحولهم إلى أدوات في مشروع سياسي ضيق الأفق.
إن الشعب السوري، الذي عانى من الحرب والدمار لعقود، لا يستحق أن يُضاف إلى معاناته عبث بالمناهج التعليمية التي تمثل مستقبله بحذف بعض المواضيع الهامة كما عبثت فيها السلطة المخلوعة لجهة إدراج مالا ينفع في التعليم . فهل تستجيب السلطة لهذه الأصوات، أم أنها ستستمر في تجاهلها؟
شاهد أيضاً الاجتماع الأول من نوعه.. قسد تبحث التنسيق العسكري مع دمشق