رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على إطلاق مشروع “تجميل ساحة سعد الله الجابري” في مدينة حلب، والذي حُددت مدته الأصلية بشهرين فقط، لم يُستكمل تنفيذ المشروع حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
المشروع، الذي أعلنت عنه محافظة حلب بالتعاون مع الشركة السورية التركية القابضة (STH) وشركة إعمار سوريا، أثار منذ بدايته موجة من الجدل، ليس بسبب طبيعة التصميم فحسب، بل أيضًا بسبب آلية اتخاذ القرار، وغياب الشفافية، واستبعاد نقابة المهندسين والجهات المعمارية المختصة من المشاركة أو حتى الاطلاع على تفاصيل المشروع.
بحسب التصريحات الرسمية السابقة، أكد المهندس المعماري أنس كلزية، ممثل الشركة المنفذة، أن مدة التنفيذ لن تتجاوز الشهرين. إلا أن هذه المهلة مضى عليها أكثر من ضعف المدة المحددة، دون أن تُنجز الساحة بالكامل، رغم الإعلان عن موعد تسليم نهائي بعد أسبوع من الآن.
وقد أثار هذا التأخير استياءً واسعًا في الشارع الحلبي، حيث يرى كثيرون أن المشروع انطلق دون توافق مجتمعي، ويُنفّذ حاليًا دون التزام زمني، أو رقابة علنية، أو أدنى درجات الشفافية.
وسبق أن لاقى التصميم الجديد اعتراضات من مهندسين ومواطنين على حد سواء، لابتعاده عن الهوية المعمارية الأصيلة لمدينة حلب، واعتماده على أسلوب حديث لا يراعي النسيج البصري للساحة التي تُعد رمزًا ثقافيًا وتاريخيًا للمدينة.
في تصريح جديد لوكالة الصحافة السورية، أوضح المهندس أنس كلزية أن سبب التأخير يعود إلى طلب المحافظة إجراء تعديلات على التصميم الأصلي، ما استدعى توقف العمل مؤقتًا بانتظار اعتماد التصاميم المعدّلة من لجنة مختصة. وأشار إلى أن إدخال عناصر جديدة، كالشاشات الإلكترونية، ساهم أيضًا في إطالة المدة الزمنية اللازمة للتنفيذ.
مشروع بلا شفافية… ولا محاسبة
منذ إطلاقه، ارتبط المشروع بانتقادات حادة تتعلق بغياب الشفافية: لا مناقصة أُعلنت، ولا مشاركة لمكاتب التصميم الهندسي، ولا وجود لخطة عمل واضحة سواء من الناحية الزمنية أو المالية. ما يثير تساؤلات جادة: من يتحمّل مسؤولية هذا التأخير؟ وهل ستُحمّل الشركة المنفذة تبعات التقصير؟ وهل وُضعت بنود تعاقدية تضمن المساءلة؟
في هذا السياق، أكد المهندس فراس المصري، معاون محافظ حلب لشؤون الإدارة المحلية والخدمات، أن المشروع لم يُنفّذ ضمن إطار مناقصة رسمية، بل كان “مبادرة تقديمية” من الشركة، دون أن تتكبد المحافظة أو الدولة أي نفقات مالية من صناديقها، وبالتالي لا يمكن اتخاذ أي إجراءات قانونية أو مالية بحق الشركة.
وأوضح المصري أن المشروع شهد تغييرات في التصاميم، خاصة ما يتعلق بالتمثال المركزي وعناصر أخرى كبيرة الحجم، ما تطلّب تعديلات للحفاظ على وظيفة الساحة كمكان عام. هذه التعديلات بدورها أثرت على الجدول الزمني، خصوصًا مع انشغال الشركة المنفذة في مشاريع أخرى.
وأضاف: “منذ البداية لم يكن هناك مذكرة تفاهم تضبط المدة الزمنية أو تحدد التزامات متبادلة، بما أن المشروع ليس تعاقديًا أو ممولًا من الدولة، لذا فإن التأخير لا يترتب عليه ضرر مادي أو قانوني على الدولة. الضرر الوحيد كان معنويًا، ويتمثل في حرمان المواطنين من الاستفادة من الساحة خلال فترة التجميل”.
وأشار إلى أن الأعمال النهائية جارية حاليًا، وأنه من المفترض أن تُفتتح الساحة وتُعاد للخدمة بتاريخ 20 حزيران الجاري.
من جهته، يرى الشارع الحلبي أن مشروع تجميل ساحة سعد الله الجابري لم يكن سوى انعكاس صارخ لفوضى اتخاذ القرار والإهمال المزمن الذي تعاني منه المدينة. فبعد مرور أكثر من أربعة أشهر على إطلاقه، ما تزال أهم ساحات حلب قيد الترميم، وسط غياب كامل للشفافية والمعايير المهنية.
ويذهب بعض المواطنين إلى اعتبار الساحة قد تحوّلت إلى حقل تجارب مفتوح تُجرى فيه تغييرات بلا قيود ولا ضوابط واضحة، وسط تساؤلات متزايدة حول ما إذا كان يتم استثمار الموقع الحيوي بطرق تخدم مصالح الشركة المنفذة، على حساب المصلحة العامة.
ويُطالب كثيرون بوضع معايير واضحة وشفافة لتنفيذ مثل هذه المشاريع، حتى وإن كانت مقدمة “كمنحة” أو “مبادرة”، مشيرين إلى أن عشرات الشركات المحلية والدولية قد تكون قادرة على تنفيذ مشاريع تجميل متكاملة، وفق معايير عالمية، وبدون تحميل خزينة الدولة أعباء مالية، مقابل امتيازات مشروطة وعادلة تُقدمها لهم المحافظة بشفافية وتنافسية