مقالات الرأي

” الجولاني ” في إحدى عشرة رسالة

الرسالة الأولى : للتذكير وتنشيط الذاكرة
في مطلع عام 2012 كان ملايين الأحرار يملؤون شوارع سوريا هاتفين ضد الحاكم المستبد، وعندما بدأ النظام يترنح تحت ضغط الثورة الشعبية وبات رؤوس النظام في خطر.. أعلن الجولاني كلمته المشهورة: “ما جئنا إلا لنصرتكم”. أجل قالها الجولاني منذ البداية، لكن نحن لم نفهمها؛ لقد ظننا يومها أنه يخاطبنا، ومن هنا بدأت المشكلة!

وما مغامرة الجولاني الخائبة الأخيرة إلا حلقة في هذا المسلسل المخزي الطويل، حينما زحف بجيشه العرمرم على كفرجنة وعفرين وترك معرة النعمان التي يحتلها النظام وهي على بعد كيلومترات قليلة من حدود إمبراطوريته المزعومة!.

الرسالة الثانية : للتذكير وتنشيط الذاكرة (1)

المعارك الوحيدة التي انتصر فيها الجولاني هي غزواته على فصائل الجيش الحر. والسؤال الذي يفرض نفسه: أين ذهبت تلك الأسلحة التي استولى عليها الجولاني وعصابته عندما قضموا نحواً من بضع وعشرين فصيلاً وقضوا على قوتها الضاربة، أين ذهب كلّ هذا السلاح الذي لا هم قاتلوا به النظام ولا تركوه للفصائل كي تقاتل؟!. 

إن الإجابة التي يشهد لها الواقع أنهم باعوا مساحات كبيرة كانت محررة وسلموها للنظام مع بعض تلك الأسلحة، واستخدموا البعض الآخر في بغيهم الجديد!. وإن لم تكن هذه منهم عين الخيانة، فماذا تكون؟!.

الثالثة : للتذكير وتنشيط الذاكرة (2)

بعد مضي وقتٍ كان العدوان فيه من الجولاني على خمسة وعشرين فصيلاً ثورياً، كان الالتفات منه إلى العدوان على الثورة ذاتها، على جمهورها وحاضنتها الشعبية، وباتت حرب الجولاني تشبه حرب النظام الجبان سواء بسواء؛ فبدأ بقصف المدن والانتقام من سكانها الآمنين في نحو من أربعين بلدة وقرية، فضلاً عن التغييب في السجون المظلمة..؛ فهل يصنع ذلك كله إلا مجرم قذر تجب محاكمته وكفّ شره وضره عن الناس؟!. 
أجل، خاضت جبهة النصرة معاركها الكبرى مع الثورة وليس مع النظام، وصنعت مثل الذي صنعته من قبل أختها الكبرى داعش؛ فسلمت النظام مئات القرى دونما أدنى مواجهة، ثم تركت الاشتباك معه في مناطق شبه ملاصقة، وسعت بكل ثقيلها لاحتلال  الأراضي المحررة التي دفع الثوار الأحرار في سبيل تحريرها كرائم التضحيات. ولذا ما عاد غريباً أن نراه ملاحِقاً بالتصفية والاعتقال والتعذيب رموز الثورة وكبار الضباط المنشقين والقادة الثوريين والقائمين على الإعلام؟!.

الرابعة : الوعي.. الوعي للحقيقة 

دفع عدوان الصائل كائناً من كان- سواء كان من ذنب الكلب بشار أو من النكرة الجولاني- حقّ مشروع لا يختلف عليه عاقلان. فإلى أصحاب الورع البارد: لستم بأكثر رحمة من الرب الرحيم القائل: (فقاتلوا التي تبغي..)، ولستم بأكثر رحمة من سيد الأنبياء حينما أجاب من سأله عن كيفية التعامل مع رجل أراد قتاله لأجل أخذ المال منه عنوة وبغير حقّ قائلاً له: (قاتله). 
باختصار، الاستسلام للعدوان على النفس أو الشرف أو حتى المال ليس من العقل أو الشرف أو الرجولة، بل ولا حتى من الدين.

الخامسة : إلى المميعين أصحاب الورع البارد 

لو كان الاقتتال مع جبهة الجولاني لصدّ بغيه وعدوانه فتنة، لكان الاقتتال مع جيش الأسد فتنة كذلك؛ فكلاهما عدو للثورة. ذلك أن الناظر في الشبه الكبير لأفعالهما تجاه الثورة وأبنائها يقفز إلى ذهنه- دونما عناء في التفكير- ذاك التخادم في وأد الثورة، ومن ثم يخرج بنتيجة مفادها أن ما صدر ويصدر عن الجولاني حتى الآن لا يخرج عن كونه عمالة للأسد، أو أنه- إن أحسنا الظن- نسخة جديدة مشوهة عن الأسد، يسعى لاستحواذ السلطة على كامل الشمال المحرر ولو كان الثمن هلاك الناس وتدمير الثورة!.
ولذا، لا فرق بين من يدعو فصائل الشمال المحرر إلى الصلح والانخراط تحت مظلة الجولاني وبين من يدعو إلى الصلح بين فصائل الثورة ونظام الأسد. ولا أمل في إنقاذ ما بقي من الثورة إلا عندما يفهم أبناؤها هذه القاعدة البسيطة: (لا فرق بين النصرة وداعش والنظام).

السادسة : هو ابتلاع لا اندماج

أداءً للنصح للمنخرطين في خديعة الاندماج المشؤوم مع جبهة الجولاني: إن ما قمتم به- سواء من تحت الطاولة أو من فوقها- لهو حرام شرعاً وثورياً؛ لما فيه من الركون لظالم مجهول، وانتحار منكم أنتم بداية ثم نحرٌ لما تبقى من الثورة!. وإنه لعجيب أن يغيب عنكم أن تنسيقكم مع الجبهة والانخراط تحت مظلتها سيؤدي لا محالة إلى تتالي لعنات مئات الملايين عليكم بعد إذ تتم تصفية الثورة التي اكتست السواد بإعانتكم؛ فالنصرة لأجل التصنيف الأممي لها بأنها ضمن الراعين للإرهاب ما هي إلا لعنة يكتوي بنارها من لجأ إليها، وهي سفينة غارقة لا محالة، وسيغرق كل راكبيها. فالله الله في أنفسكم وأهليكم وعناصركم، وثورتكم وما قدمت من شهداء.. قبل فوات الأوان، فما زال في الوقت بعض فسحة.

السابعة : للجولاني المصاب “ربما” بداء العظمة

دع عنك ما تملكه يا جولاني- بحسب كلامك مؤخراً- من امتلاك أزرار؛ منها ما هو للتسخين وآخر لقلب الطاولة وثالث للتفجير، كن صادقاً لمرة واحدة يا مجهول النسب والحال والارتباط.. وقل إنك تريد ابتلاع الفصائل كلها وما تبقى من المناطق المحررة، قل إنك تسعى لتنفيذ أوامر مشغليك لجهة صبغ الثورة السورية بالسواد، قل إنك تسعى الى السلطان المطلق الذي سيطرت شهوته عليك وتود تحصيله ولو بطريق العمالة، قل إنك موعود بإرسال طائرة تحملك ورفاق مشروعك قبيل بدء عمليات النظام وحلفائه بتصفية ما يُعرف بــ “التمرد الإرهابي” بمباركة أممية ودولية!.

على أن الشعب الثائر لا ينتظر منك الإقرار بما تقدم لتستبين له الحقيقة؛ فقد وقف عليها ورآها مترجمة بأفعالك رأي العين طيلة عقد وزيادة.

الثامنة : لعصابة الجولاني و شبيحته

إذا كنتم دائماً بحاجة إلى شركاء في كل معركة خضتموها، ولم يُسجل لكم أن حررتم وحدكم مدينة أو قرية، بل ولا حتى كيلو متراً واحداً مربعاً، فلماذا غدرتم بالشركاء وطعنتموهم في ظهورهم بعد الانتصار؟!. ولماذا قاتلتموهم وفككتم فصائلهم وشردتم مقاتليهم في الأرض؟!. لماذا قتلتم خيار مجاهديهم بفتوى الجاهل الضال صاحب فتوى (اضرب بالراس) وأمثاله من المجرمين؟!. بل لماذا تركتم أرض النظام وعقر داره في الساحل واشتغلتم بتسليم نحو من أربع مئة قرية مع العتاد الثقيل.. ثم سال لعابكم على احتلال المحرر؟!. أياً ما كانت أجوبتكم، فلا مطمع بخداع الشارع الثوري، وكفى خداعاً لأنفسكم.
إن بقاءكم أو انتساب من كان على شاكلتكم للمجرم الجولاني إثم وخيانة لله ورسوله وللثورة والأمة، كما أن فضح هذا الخائن فريضة على كل مسلم صادق وحر شريف.

التاسعة لقادة الفصائل المنتكسين بتنسيقهم مع الجولاني

وأما أنتم يا قادة الفصائل، يا من وقفتم في صف من ظهر بجلاء أنه من جملة أعداء الثورة، كونوا رجالاً وقولوا بأنكم بعتم سورية الثورة بمن فيها..؛ أتراكم فعلتم ذلك مجاملة لرفاق المنهج؛ أم استرضاء لمن تظنونه الأقوى، أم مقابل وعد منه لكم بمنصب أو بعرَض من الدنيا قريباً سيزول!. 
اعلموا يا من آلمتم بتصرفكم هذا حتى “الشهداء في قبورهم” أن نجاحكم في استغباء ألف- أو حتى مئة ألف- من عناصركم وذويكم.. لا يعني أنكم ستنجحون في استغباء عشرة ملايين وقع الظلم عليهم وما زالوا صابرين على أمل إعلان انتصار ثورتهم.

العاشرة

العاشرة : للرماديين أصحاب (( ألم نكن معكم))

يحكى أن أحدهم سأل فقال: لماذا التزمت بعض تشكيلات الجيش الوطني في الشمال الصمت والحياد؟. فقال له المجيب: لأنها لم تقرأ قصة الثيران أو قرأتها ولم تفهم مغزاها!.

ومع أن قصة الثيران الثلاثة قديمة ومعروفة، إلا أنه ظهرت في ظل الثورة السورية نسخة جديدة محدّثة؛ ليس فيها ثلاثة ثيران بثلاثة ألوان، بل مئة ثور بمئة لون، وكلما سحب الأسد ثوراً منها إلى الذبح.. لم يُسمع لسائرها خوار رغم علمها بأن الدور لا محالة آتيها!.

الأخيرة : رغم الأسى والتعب.. ما زالت الثورة معشوقةَ أبنائها الأحرار

لقد فوجئ السلطان الفاتح أبو محمد الجولاني حينما كان في مرحلة التمهيد للانتقال إلى الخطوة الأخيرة وهي: السيطرة على المناطق المحررة وتأسيس “الامبراطورة الجولانية“، فوجئ بردة فعل (شعبية عنيفة) إضافة لــ (مقاومة فصائلية) في كفر جنة لم يتوقعها.
وكان من جميل صنع الله في تلك الحادثة أن جعلها كاشفة فاضحة لأدعياء الجهاد ومدعي الحياد!. ومع أنه ما ينبغي للمؤمن أن يلدغ من الجحر الواحد مرتين، يصرّ البعض منا على أن يلدغ من الجحر نفسه سبعين مرة!. 
هذا الصنف من الناس- عسكريين كانوا أم مدنيين- ربما لم يتعلموا من كارثة داعش ولن يتعلموا من كارثة النصرة، لأنهم- وبكل بساطة- يأبون أن يتعلموا ويصرون على الاحتفاظ بالغباء والسذاجة تحت قنطرة حسن الظن بــ “إخواننا المجاهدين”!.
خلاصة القول، إن الرسائل التي كان البث لها عبر هذا المنبر، يمكن تلخيصها بكلمة واحدة: (من أكثر ما دمر ثورتنا اعتبار عصابة الجولاني جزءاً من الثورة، ولن ينقذ ثورتنا شيء أكثر من اعتبار الهيئة جزءاً من حلف النظام)، وإلم يعِ الجميع ذلك.. فكل ثورة وأنتم بخير.

شاهد أيضاً: ما سبب سعي الدول العربية لتطبيع العلاقات مع دمشق؟

‫2 تعليقات

  1. حقيقة، كل ما ذكر في تلك الرسائل لا يحتاج إلى إثباته حيث يشهد الواقع لصدقه.
    أستأذنكم بالمشاركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى