سوريامقالات الرأي

شركات بواجهات مشبوهة ومليارات بلا شفافية: من يملك مفاتيح الاقتصاد السوري بعد التحرير؟

من يملك مفاتيح الاقتصاد السوري بعد التحرير؟

بعد زوال نظام الأسد الفاسد البائد، ظنّ كثيرون أن مرحلة جديدة ستبدأ، تُبنى فيها مؤسسات الدولة على الشفافية والمحاسبة.
لكن ما يحدث اليوم، خصوصًا في ما يتعلق بالاقتصاد والاستثمار، يُظهر أن منطق الدولة العميقة وشركات الواجهة لا يزال حيًّا، بل يُعاد إنتاجه بأسماء وشخصيات جديدة، ضمن سلطة ما بعد التحرير.

خلال الأيام الماضية، أُعلن عن توقيع مذكرات تفاهم لاستثمارات تتجاوز قيمتها العشرين مليار دولار مع شركات أجنبية ومحلية، بعضها حديث التأسيس، وبعضها يفتقر إلى الحد الأدنى من المصداقية التجارية، ما أثار تساؤلات مشروعة حول الجهات المستفيدة الفعلية من هذه الاتفاقيات.

من بين الشركات التي حظيت باهتمام خاص كانت شركة Polidef Mühendislik التركية، والتي أُشير إلى أنها ستتولى إدارة مطار دمشق. وبالعودة إلى المعلومات المحدثة، يتبيّن أن الشركة ليست مجهولة بالكامل؛ تأسست عام 2021 في إسطنبول، وتقدّم خدمات في مجالات التقنية والدفاع والاتصالات، كما أن موقعها الإلكتروني فعّال ويتضمن معلومات عن مشاريع وتعاونات مع شركات تركية دفاعية.
إلا أن حداثة الشركة وغياب أي سجل يربطها بمشاريع ضخمة من نوع إدارة المطارات يجعل من الاتفاقية – إن صحت – موضع شك من حيث التأهيل والأهلية.

في المقابل، ظهرت شركة تركية أخرى باسم FALK Mühendislik تثير شبهات قوية، إذ لا يوجد لها سجل معروف في تركيا، وموقعها الإلكتروني مسجّل بتاريخ حديث (أكتوبر 2024)، ويستخدم نفس القالب والتصميم والصور الموجودة في موقع Polidef، ما يشير إلى احتمالية أن تكون مجرد واجهة أو “شركة قشرة” أُنشئت لغرض محدد أو لإخفاء هوية المستفيدين الفعليين.

أما الشركة التي أثارت أكبر قدر من الاستغراب، فهي UBAKO التي قيل إنها إيطالية، وتم توقيع مذكرة تفاهم معها بقيمة ملياري دولار لتنفيذ مشروع “أبراج دمشق”.
التحري أظهر أنه لا وجود واضحًا لشركة بهذا الاسم في السجلات الإيطالية، والموقع المرتبط بها يُعيد التوجيه إلى شركة لبنانية صغيرة. كما أن بيانات الملكية والإدارة غامضة، ولا تتوفّر معلومات عن مشاريع سابقة، في حين يقود رابط فيسبوك الموجود في موقع الشركة إلى حساب شخصي باسم بسام السبع، يزعم امتلاك شركة مقاولات في دمشق، وله ارتباطات في لبنان وأميركا.

المعطيات كلّها تشير إلى أن UBAKO على الأرجح ليست شركة مؤهلة لتنفيذ مشروع بملياري دولار، بل هي واجهة لتسهيل تمرير مصالح لجهات أخرى.

ومن الملاحظ أيضًا أن عددًا من الشركات السورية المشاركة في هذه الاتفاقيات تنتمي إلى مناطق إدلب، وتملك تاريخًا من التعاون مع هيئة تحرير الشام، ما يعني أن الهيئة، التي فرضت نفسها كسلطة أمر واقع، باتت اليوم تسعى لترسيخ نموذج اقتصادي جديد مبني على شبكات الولاء والمصالح القديمة، ولكن بعباءات استثمارية جديدة.

إن ما يجري من توقيع اتفاقيات ضخمة في غياب تام لأي رقابة شعبية أو إعلامية مستقلة، هو إعادة إنتاج لنفس المنظومة التي ثار السوريون ضدها، لكن بأسماء جديدة وأدوات جديدة.

من حق السوريين أن يعرفوا من يوقّع باسمهم، ومن يدير مواردهم، ومن المستفيد الحقيقي من مليارات الدولارات التي تُطرح اليوم باسم الإعمار.

فالاقتصاد، كما السياسة، لا يُدار في الخفاء.
وإذا لم تتحرك النخب المدنية والسياسية لفرض الشفافية والمحاسبة الآن، فقد نجد أنفسنا أمام نظام اقتصادي أشدّ غموضًا وخطورة من النظام السابق، ولكن هذه المرة بلا قناع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى