سوريامقالات الرأي

حكومة المحسوبيات تقتل الكفاءات… وملف عودة المنشقين وصمة عار

حكومة المحسوبيات تقتل الكفاءات… وملف عودة المنشقين وصمة عار

منذ أن سقط نظام الأسد البائد، والحديث عن إعادة آلاف الموظفين المنشقين لا يتوقف، لكن الحقيقة أن هذا الملف تُرك ليموت ببطء، لأن من يمسك زمام القرار اليوم لا يراه أولوية، أو ربما يراه تهديداً لشبكة المحسوبيات التي يعتاش عليها.

آلاف الكفاءات التي انشقت ووقفت بوجه الطغيان في أصعب الظروف، وضحّت برواتبها وحقوقها، تُترك اليوم على قارعة الطريق، بينما تُملأ مؤسسات الدولة بالشبيحة وأقارب المتنفذين، في عملية إعادة تدوير للفساد دون خجل أو مواربة، ودون حتى مسرحية المسابقات أو الإعلانات الشكلية.

الحكومة التي تتشدّق بإعادة الإعمار وبناء المؤسسات هي نفسها التي تدير هذا الملف وكأنها شركة عائلية، تُقسَّم الوظائف فيها حصصاً للعائلات النافذة والمقرّبين، فيما تُغلق الأبواب في وجه من قدّم تضحيات حقيقية.

فأين العدالة الانتقالية التي يتحدثون عنها؟

وأين الاعتراف بدماء وتضحيات المنشقين الذين تركوا كل شيء من أجل الثورة؟

ما يحدث اليوم هو إهانة مزدوجة: إهانة لكفاءات الوطن، وإهانة لفكرة الدولة التي ناضل السوريون من أجلها.

ولنتحدث عن الحقيقة التي لا يريد البعض سماعها: الرواتب الحكومية اليوم لا تكفي حتى لشراء طعام أسبوعٍ في بلدٍ صارت أسعاره تضاهي عواصم عالمية، في ظل انقطاع دائم للكهرباء والمياه، وانهيار الخدمات الأساسية.

ولنكن واقعيين أكثر، فمن جرّب العمل في منظمات المجتمع المدني أو في المؤسسات الخاصة يعرف أن العودة إلى وظيفة حكومية الآن تعني العودة إلى الفقر والإذلال، إلا إذا كان لديه دخل آخر أو مستعد للعيش على الفتات.

أما المشهد الشعبي فمؤسف: هناك من اكتفى بإلقاء اللعنات على الحكومة عبر “فيسبوك” وكأن الشتائم تبني مؤسسات أو تُشغّل مصانع، وهناك من يصرخ ويطالب بالعودة ويبحث بجدية عن فرصة عمل شريفة، لكن صوته يُخنق في جدران البيروقراطية والمحسوبيات.

لتكون النتيجة: الكفاءات في بيوتها، البطالة تتفاقم، والفساد يتجذر أكثر من أي وقت مضى.

ملف عودة المنشقين ليس مجرد قضية إدارية، بل هو مقياس لصدق النوايا في بناء دولة جديدة.

إذا كانت الحكومة جادّة، فعليها أن تطرد الشبيحة وأبناء العائلات النافذة من المواقع التي استولوا عليها، وأن تعيد الاعتبار لكل من ضحّى من أجل الثورة، وأن تضع رواتب تحفظ كرامة الموظف وتتيح له العيش بحدٍّ أدنى من الكرامة.

أما ترك الأمور كما هي، فهو حكم بالإعدام على الكفاءات، وضوء أخضر لاستمرار دولة الولاءات لا دولة المواطنة.

ومن لا يفهم أن هذه الكفاءات هي العمود الفقري لأي عملية إعادة إعمار، فهو إما أعمى، أو مستفيد من خراب البلد

صورة لـ ضباط المنشقين في دمشق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى