حين يتحدث الجرح السوري:لا لرجال الدين الذين يُسوّقون للقتلة

في لحظةٍ لا تزال فيها سوريا تنزف من قلبها، وبينما يحاول السوريون لملمة جراحهم واعادة بناء ما تبقى من وطن، يخرج علينا بعض رجال الدين – من مختلف الطوائف – بخطابات مشوّهة، لا تحمل سوى رائحة التحريض، وبقايا أحقاد قديمة، وكلمات محشوة بالتحريف والتشويه المتعمد للواقع.
آخر هذه الخطابات صدر عن البطريرك يوحنا العاشر، الذي اعتبر أن الجريمة التي حصلت مؤخرًا ضد أحد أبناء الطائفة المسيحية هي الأولى من نوعها منذ عام 1860، متجاهلاً، إما عمداً أو جهلاً، ما تعرض له المسيحيون – كما المسلمون وسائر السوريين – من انتهاكات موثقة وموصوفة على يد النظام السوري، لا سيما منذ انطلاق الثورة عام 2011 وحتى اليوم.
وهنا لا بد من التذكير، لا من باب الخصومة، بل من باب الأمانة تجاه الدم السوري بأكمله:
لقد قُصفت الكنائس، وهُجّر المسيحيون، وقُتل كثير منهم، لا على يد الثوار بل على يد من كان يدّعي حماية الأقليات، بينما يفتك بالوطن كلّه باسم السيادة والاستقرار على يد نظام الاسد البائد .
بل إن أغلب رجال الدين في ذلك الوقت، صمتوا عن الجرائم أو باركوها ضمنيًا، واختاروا الانبطاح تحت البوط العسكري، متناسين رسالاتهم السماوية ومبادئهم الإنسانية.
في حمص وحدها، استُهدفت كنيسة السيدة العذراء (أم الزنار) سبع مرات، وكذلك كنائس مار إلياس، وسيدة السلام، ومار يوحنا، ومار أنطونيوس، وغيرها من الكنائس التاريخية في أحياء بستان الديوان والحميدية والسليمانية.
وفي ريف دمشق، تكررت الاعتداءات على كنيسة القديسة تقلا في داريا، وكنيسة العذراء في حرستا، وكنيسة القديس بولس، ومار يوحنا المعمدان في معلولا.
أما حلب وإدلب ودير الزور، فشهدت بدورها تدميرًا ممنهجًا لمواقع دينية مسيحية عريقة، لم تستثنها آلة الحرب الأسدية.
وكل هذا موثّق بالصوت والصورة، في تقارير محلية ودولية، بل وموثق في ذاكرة السوريين أنفسهم، ممن شاهدوا بيوتهم وكنائسهم ومساجدهم تسوى بالأرض، من دون تمييز طائفي أو استثناء ديني.
فأي جريمة أولى يتحدث عنها البطريك !!!!
وأي ضمير هذا الذي يستيقظ فجأة حين يكون الضحية من طائفة محددة، بينما كان صامتاً حين كانت البراميل تحصد الأرواح من كل الطوائف، في كل مدينة وبلدة
إننا لا نرد هنا بمنطق الاتهام الطائفي، بل نرد باسم الجرح السوري المشترك.
سوريا ليست طائفة، ولا مذهبًا، ولا معسكراً.
سوريا وطنٌ جُرِح في قلبه، وطنٌ تعرّض شعبه بأكمله، مسلموه ومسيحيوه، عربه وكرده، سنة وعلويين، لآلة قتل واحدة، وهدمٍ واحد، وتشريدٍ واحد.
ولذلك، لا نريد لبعض رجال الدين، ممن اختاروا لعب دور الأبواق لا الرعاة، أن يكون لهم صوت أو مكان في مشهد سوريا الجديدة.
نريد أن يرتفع صوت العقد الوطني لا صوت الخطاب الطائفي.
نريد أن يُسمع صوت المواطنة لا صوت التحريض والكراهية.
نريد رجال دين أحرارًا، لا كانوا موظفين لدى أجهزة الأمن، يُشرعنون القتل باسم الحكمة أو المصلحة .
وختامًا، نقول لكل من تلوثت عمامته أو صليبه بدماء الأبرياء:
سوريا اليوم لا تحتاج إلى خطاب فتنة، بل إلى عدالة.
لا تحتاج إلى صكوك غفران للقتلة، بل إلى قضاء نزيه.
ولا تحتاج إلى منابر تحرّض، بل إلى ضمائر تصحو وتعتذر.
فكفّوا عن المتاجرة بجراحنا، ودعونا نبني وطنًا يتسع لكل السوريين… لا وطنًا يُختصر بخطاب او طائفة.
شاهد أيضاً : تسهيلات .. ولكن ؟ جواز السفر امتيازًا لا حقًا