سوريا

هل يشهد الشمال السوري إقصاءً ممنهجًا وعزلاً على مختلف الأصعدة؟

هل يشهد الشمال السوري إقصاءً ممنهجًا وعزلاً على مختلف الأصعدة؟

رغم التحديات التي مرّ بها الشمال السوري، يرى كثير من السوريين أن هناك إقصاءً ممنهجًا لأبناء هذه المناطق، يُفسّر كنوع من المعاقبة الجماعية على مواقف سابقة. فعلى سبيل المثال، برزت مؤخرًا مناشدات لمقاتلين سابقين في الجيش الوطني تم فصلهم بناءً على قرارات لجنة “المشاهدة”، وهي لجنة لا تزال صلاحياتها ومرجعيتها في وزارة الدفاع السورية غير واضحة، وسط تفاوت كبير في أعداد المرفوضين من قبل الوزارة.

وفيما رحّب البعض بانحسار الدور التركي في مفاصل الحياة بالشمال – سياسيًا، اقتصاديًا، خدميًا وأمنيًا – عاد مؤخرًا ملف الإقصاء إلى الواجهة، مع ما وصف بـ”موجة فصل جماعي” طالت كوادر إعلامية في المجالس المحلية، من دون إنذار أو تعويض.

الفصل الجماعي تحت مسمى “دمج المجالس”

تحت مسمى “عملية دمج المجالس”، أقدمت الحكومة السورية مؤخرًا على فصل نحو 40 موظفًا وموظفة من الكوادر الإعلامية العاملة في المجالس المحلية لمناطق الشمال السوري، دون إشعار مسبق أو صرف تعويضات، بحسب ما أفادت به مصادر محلية. وقد أثارت هذه الخطوة موجة استياء، خاصةً أن معظم المفصولين من أبناء المدن ذاتها، ويعملون في المجالس منذ تحريرها، ليُستبدلوا بموظفين جدد بأعداد محدودة.

الإعلامية آية شموط، التي تعمل في المجلس المحلي لمدينة الباب وريفها منذ عام 2021 كمصوّرة ومونتيرة، تقول في حديثها لـ”وكالة الصحافة السورية”: لا يوجد سبب سوى عدم استيعاب الحكومة لعددنا، ولا يوجد قدرة مالية لدفع رواتب لهذه الأعداد.

وتضيف شموط: لم يتم إخبارنا، بل تم تخييرنا: إما العمل في مديرية أخرى كالبلدية أو الإغاثة، أو لا يوجد لدينا عمل في الإعلام ضمن منطقتنا. ولم نحصل، لا أنا ولا زملائي، على أي تعويضات أو امتيازات عن خدمتنا السابقة في المجلس.

من جانبه، أكّد الإعلامي رمضان الخلف، العامل في المجلس المحلي لمدينة بزاعة، أن القرار كان بمثابة كارثة حقيقية لبعض الموظفين:
جزء كبير من الموظفين كان يعتمد – ولو بشكل نسبي – على الرواتب الزهيدة التي كانوا يتقاضونها، خاصة في ظل الظروف المعيشية القاسية.

وأضاف الخلف: أعمل في المجال الإعلامي منذ سنوات، واستبعادنا لم يكن مجرد قرار إداري، بل تجاهلًا لجهودنا التي كانت تخدم المجتمع وتنقل صوته. ولم يُعرض علينا أي بديل وظيفي ضمن المكاتب الإعلامية التابعة لمديريات حلب وريفها، ما عمّق شعور التهميش والإقصاء.”

عُقد مؤخرًا اجتماع بين إعلاميي المجالس المحلية ومديرية الإعلام في حلب، بحضور نائب محافظ حلب أحمد ياسين، المسؤول عن متابعة ملف “دمج المجالس”. وأكدت المحافظة حينها أن الهدف من الدمج هو استيعاب الكوادر ضمن مديريات المحافظة وفق الكفاءة والخبرة، بهدف تحسين الخدمات.

اجتماع بين إعلاميي المجالس المحلية ومديرية الإعلام في حلب

وفي تصريح لـ”وكالة الصحافة السورية”، قال الصحفي معتز خطاب، مدير مكتب العلاقات العامة في مديرية إعلام حلب: خطة المديرية تجاه إعلاميي المجالس المحلية في ريفي حلب الشمالي والشرقي هي إعادة استيعابهم ضمن هيكلية مكتب إعلام محافظة حلب والمناطق التابعة لها.
وأضاف خطاب: من الممكن أيضًا استيعاب بعض الإعلاميين في شواغر متوفرة. باب التقديم مفتوح، وسيتم الأخذ بعين الاعتبار الكفاءة والخبرة في الاختيار.

وختم بالقول: لن يتم فصل أحد، بل سيتم استيعاب جميع الإعلاميين ضمن مجالات عملهم واختصاصاتهم.

الإعلامية ورد الشهابي، التي تعمل منذ خمس سنوات في المجلس المحلي لمدينة الباب، قالت: “حتى الآن لا يوجد سبب واضح لاستبعادنا من العمل، باستثناء ما قيل عن عدم قدرة الجهات المعنية على استيعاب عدد الإعلاميين التابعين للمجالس المحلية.” وتضيف:لم يتم إعلامنا بشكل رسمي بالفصل أو إيقاف العمل، لكن عمليًا تم سحب صلاحياتنا من إدارة الصفحات الرسمية، كما تم سحب المعدات منّا.

وتتابع “نحن كإناث في المكتب الإعلامي، تم إخبارنا بأن الهدف هو تخفيف العبء، وأنه من غير المحبّذ وجودنا في هذا النوع من المكاتب. وتم اقتراح عملنا في مديريات أخرى لا تمت للإعلام بصلة.”

وأكدت الشهابي :لم يتم تعويضنا لا ماليًا ولا وظيفيًا، رغم سنوات العمل والخبرة التي قدّمناها.”

ليس الملف الإعلامي وحده من يعكس سياسة التهميش، بل يمتد إلى التعليمى السجل المدني ، حيث نظّم طلاب من جامعات الشمال مظاهرات احتجاجًا على رفض وزارة التعليم العالي السورية ضم جامعاتهم إلى قائمة الجامعات المعترف بها رسميًا.
وايضاً لم يتم الاعتراف بالسجلات المدنية في الشمال السوري، إذ لا تزال الهويات الشخصية، دفاتر العائلة، رخص القيادة، والشهادات التعليمية غير معترف بها من قبل الدولة السورية، التي تكتفي بالاعتراف بوثائق النظام أو “حكومة الإنقاذ” فقط. وعبّر كثيرون عن استيائهم مما وصفوه بـ”سياسة التهميش والإنكار”، مطالبين باعتراف فعلي بدور الشمال في مستقبل سوريا، وتمثيل مناطقه سياسيًا، اقتصاديًا، وخدميًا، كما يحدث في بقية المحافظات.

وفي ظل هذا الإقصاء المستمر، يتصاعد القلق من أن تكون الحكومة الجديدة امتدادًا لنهج الإقصاء لا بداية لمرحلة جديدة من إعادة البناء الوطني. فاستمرار تجاهل الشمال السوري لا يهدد فقط وحدة الدولة، بل يعمّق الانقسام بين الدولة والمجتمع في وقت تحتاج فيه سوريا إلى كل جهد وطني لإعادة لملمة شتاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى