
في ظل الغياب التام للشفافية والعلانية في الحكومة السورية، يتساءل الكثيرون عن مصير المنشآت الرياضية في دمشق وحلب، وكيفية حصول المستثمرين عليها، وما هي الشروط التي تضعها الوزارة أو الاتحاد الرياضي؟ وهل تتوافق هذه الشروط مع القوانين الناظمة للاستثمار؟ ولماذا لا يرى السوريون إعلانات علنية عن طرح المنشآت الرياضية للاستثمار؟ وهل يتم استثمار هذه المنشآت خارج إطار القانون، أم أن هناك قضايا تُدار خلف الكواليس تستفيد منها الدولة والمستثمرون فقط، دون مراعاة للمصلحة العامة؟
ترددت معلومات عن منح فرص استثمارية لمستثمرين دون إعلان مسبق أو معايير واضحة. لذا أجرت وكالة الصحافة السورية مقابلة مع السيد مجد الحاج أحمد، مستشار وزير الرياضة والشباب، للحصول على إجابات رسمية تسلط الضوء على آلية الاستثمار ومدى الالتزام بمبادئ الشفافية والعدالة.
أكد مستشار الوزير مجد الحاج أحمد في تصريحه لوكالة الصحافة السورية أن آلية طرح المنشآت الرياضية للاستثمار تختلف حسب الجهة المالكة. فإذا كانت المنشأة تابعة لوزارة الرياضة والشباب، تتولى مديرية المنشآت والاستثمار في الوزارة إدارة العملية الاستثمارية بكامل مراحلها، بالتنسيق مع المكتب القانوني، ووفقًا لأحكام القانون رقم 51 لعام 2004 الخاص بنظام العقود للجهات العامة.
أما المنشآت التابعة للأندية الرياضية، فيقوم النادي المعني بإعداد مشروع الاستثمار وطرحه بالتنسيق مع المديرية الفرعية في المحافظة، ثم يرفع الطلب إلى الوزارة للتصديق عليه، لضمان توافق العقد مع المصلحة العامة وتحقيق الجدوى الرياضية والخدمية.
وأكد الحاج أحمد أن الإعلان عن مشاريع الاستثمار يتم وفق ما نصت عليه المادتان 19 و20 من القانون رقم 51 لعام 2004، عبر الوسائل الرسمية مثل الصحف والإذاعة أو المنصات الرسمية، مع توضيح آلية التقدم والشروط المطلوبة للمشاركة. وشدد على أن هذا النظام مطبّق في جميع الطروحات السابقة وموثق في أرشيف مديرية المنشآت والاستثمار.
وأشار إلى أن آخر إعلان استثماري تم طرحه كان لإشغال مساحة 900 متر مربع ضمن مدينة الجلاء الرياضية بدمشق، وجرى إعداد دفتر شروط خاص تضمن معايير التقييم وآلية تقديم العروض، بالإضافة إلى تحديد المدة وشروط التعاقد والموقع والتزامات المستثمر.
كما أكد أن الإعلان نُشر عبر الوسائل القانونية المعتمدة وتم استقبال العروض وفق الآلية المحددة، وأن أي جهة أو فرد مهتم يمكنه مراجعة مديرية المنشآت والاستثمار للاطلاع على الإعلان ودفتر الشروط.
حاولنا الحصول على نسخة من الإعلان لكننا لم نحصل سوى على نسخ من العقود، مما يثير شكوكًا حول غياب الشفافية. كما بحثنا في منصات وزارة الرياضة والشباب الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى مراجعة موقع المؤسسة العربية للإعلان التي يفترض أنها تنشر هذه الإعلانات رسميًا، لكن لم نعثر على أي إعلان واضح أو أرشيف منشور يخص الاستثمارات الرياضية خلال العام الحالي.
هذا الغياب يعزز فرضية أن الإعلانات – إن وُجدت – لا تصل إلى الرأي العام، ولا يتم الترويج لها بما يكفي لضمان المنافسة العادلة، مما يثير الشكوك حول توجيه الفرص نحو مستثمرين محددين مسبقًا.
يشرح الحاج أحمد أن اختيار المستثمرين يعتمد على معايير قانونية واضحة تشمل الكفاءة الفنية، القدرة المالية، الالتزام بالضمانات القانونية، وتوازن العرض بين العائد والخدمة الرياضية، وفقًا لقانون رقم 51 لعام 2004. وتتم مراجعة العروض عبر لجان متخصصة تضم موظفين وخبراء قانونيين وفنيين، مع توثيق أسماء أعضائها لضمان الشفافية.
وأضاف أن لدى مديرية المنشآت والاستثمار قائمة بالمنشآت المستثمرة خلال السنوات الثلاث الماضية مع تفاصيل المستثمرين، ومتاحة عند الطلب، مشيرًا إلى مراجعة العقود القديمة لضمان عدالة الشروط وحماية المال العام.
لكن هذا الطرح يفتح باب التساؤل: لماذا لا تُنشر هذه القائمة دوريًا وبشكل استباقي؟ في ظل الحديث الرسمي المتكرر عن الشفافية، من غير المفهوم أن تبقى هذه المعلومات محجوبة، خاصة وأنها تتعلق بمنشآت عامة مملوكة للمجتمع.
يضيف الحاج أحمد أن العقد المبرم مع المستثمر يتضمن دفتر شروط يُلزم المستثمر بتنفيذ تحسينات فنية وخدمية ورياضية داخل المنشأة، بالإضافة إلى التأمينات الأولية والنهائية التي تُحجز لضمان تنفيذ الالتزامات. كما يوجد حق الفسخ الإداري الفوري في حال الإخلال بأي شرط من الشروط، دون الحاجة للرجوع إلى القضاء.
وتتابع لجان رقابية دورية من الوزارة والمديريات المختصة تنفيذ العقد وتقييمه، مؤكدة أن الاستثمار لا يقتصر على تحصيل العوائد المالية فقط، بل يُعد أداة رئيسية لتطوير البنية الرياضية ورفع جودة الخدمات.
هل حصل أي مستثمر على منشآت دون منافسة؟ يوضح الحاج أحمد أن التعاقد يتم كقاعدة عامة بعد إعلان ومنافسة علنية لضمان الشفافية، إلا أن القانون رقم 51 لعام 2004 يسمح بالتراضي في الحالات التالية:
1. إجراء الإعلان مرتين دون تقدم أي عارضين.
2. تقديم عروض غير مجدية ماليًا أو دون الحد الأدنى المقبول.
3. الحالات الفنية الخاصة التي يصعب فيها إجراء منافسة مفتوحة.
في هذه الحالات، يتم التعاقد بالتراضي بناءً على دفتر الشروط الأصلي دون تنازل عن الالتزامات، مع مبررات قانونية موثقة ومحاضر رسمية توضح أسباب التعاقد.
يضيف الحاج أحمد: تختلف نسب العائدات حسب نوع المنشأة وموقعها وفترة العقد، ويتم تحديدها بناءً على أفضل عرض ضمن دفتر الشروط. بعض العقود تعتمد بدل استثمار سنوي ثابت، وبعضها نسبة من الأرباح.
وتودع جميع العائدات في الحسابات العامة للدولة، وتستخدم في تمويل خطط الوزارة التطويرية، سواء لصيانة المنشآت، أو دعم الأندية، أو تنفيذ مشاريع شبابية ورياضية مستقبلية.
يضيف الحاج احمد: يُذكر أن النظام المعمول به حالياً هو الإعلان الورقي والإذاعي وفق المادة 19 من القانون رقم 51 لعام 2004، لكن الوزارة تعمل حاليًا على إطلاق منظومة إعلامية رقمية تشمل موقعًا إلكترونيًا تفاعليًا وقسمًا خاصًا بفرص الاستثمار والمنشآت المتاحة، إلى جانب نشر دفاتر الشروط إلكترونيًا واستقبال العروض رقميًا في المستقبل القريب.
يؤكد الحاج أحمد أن الاستثمار الرياضي مفتوح للجميع بشرط استيفاء اشتراطات واضحة مثل التسجيل الرسمي في سجل تجاري أو مهني أو صناعي، وعدم الإخلال بالالتزامات التعاقدية السابقة، وعدم وجود أحكام بجرائم مخلة بالشرف أو الأمانة، وفق المواد 16 و17 و18 من القانون رقم 51.
ويعزو الانطباع السلبي لدى بعض الرياضيين إلى ممارسات سابقة في فترة ما قبل تحويل الاتحاد إلى وزارة، حيث لم تكن الشفافية أولوية. أما الوزارة اليوم، فتؤمن بتكافؤ الفرص ولا تفرض أي حواجز أو قيود سياسية أو شخصية.
يضيف الحاج أحمد: تتم صياغة العقود من قبل مديرية المنشآت والاستثمار مع التدقيق القانوني، ويوقعها الوزير المختص بعد استكمال الإجراءات. أما المنشآت التابعة للأندية، فيوقع النادي العقود وترسل للمصادقة النهائية.
جميع العقود تخضع لإشراف الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش عند الحاجة، والوزارة تلتزم بأعلى معايير الشفافية والرقابة، وتفتح أبوابها لأي تدقيق إداري أو مالي.
حالة منشأة الباسل (الشهباء حالياً)
يقول الحاج أحمد إن وزارة الرياضة حققت نقلة نوعية في استثمار وإدارة منشأة الشهباء الرياضية سابقًا (الباسل سابقًا). فقد كانت القيمة السنوية للاستثمارات تقدر بحوالي 500 ألف دولار، لكن بعد متابعة دقيقة وتسوية العقود السابقة التي كانت مسجلة باسم مستثمر واحد، تم إبرام عقود جديدة تشمل جميع المرافق، مما رفع القيمة الاستثمارية السنوية إلى نحو مليون وستمئة ألف دولار.
وتُعد هذه الخطوة مؤشرًا على حرص الوزارة على إدارة الموارد بما يحقق التنمية الرياضية والاستثمارية المستدامة
الشفافية غائبة.. والمخاوف مشروعة من إعادة إنتاج الفساد
رغم التفصيل الذي قدمه مستشار الوزير، إلا أن الثغرات في آلية الوصول للمعلومة، والعلنية النسبية للعقود والإعلانات، تجعلنا أمام واقع لا يلبّي الحد الأدنى من الشفافية في إدارة الأملاك العامة.
غياب منصات إلكترونية فعالة وعدم وجود نشر استباقي للإعلانات، يفتح المجال للشكوك حول معايير المنافسة.
وفي حين تؤكد الوزارة أن الاستثمار مفتوح للجميع، تشكّل في الشارع الرياضي صورة معاكسة، مفادها أن المنشآت تُمنح لمستثمرين بعينهم دون إتاحة الفرصة للآخرين. هذا الأمر يتطلب تدقيقًا إعلاميًا ومجتمعيًا حقيقيًا، وقد شهدت مدينة حلب مثالاً واضحاً على ذلك في منشأة باسل الأسد سابقًا، حيث فوجئ الشارع بوجود جهة استثمارية تقوم بإعادة تأهيل المنشأة مع تغيير اسمها إلى منشأة الأناضول، ما أثار ردود فعل واسعة بين السوريين وخاصة الرياضيين، اجبرت الشركة المستثمرة إلى إعادة تغيير الاسم إلى منشأة الشهباء. هذا الحدث أثار العديد من التساؤلات حول المعايير والضوابط التي تعتمدها الوزارة في اختيار المستثمرين، ولماذا تفتقر العملية للشفافية منذ الإعلان الأولي وحتى مراحل التنفيذ، ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى مراعاة المصلحة العامة الوطنية.
هل تعتقدون أن هذه الاستثمارات تمثل بوابة للفساد الاقتصادي الرياضي في سوريا، أم أن قلة الخبرة والتجربة هي السبب وراء هذه الثغرات التي تضر بالمصلحة العامة للسوريين.