سوريا

مؤتمر حلب: خطوة نحو المستقبل أم استنساخ لإخفاقات الماضي

في ظل المشهد السوري المنهك بالصراعات السياسية والانقسامات يطرح الحدث السياسي الذي نظم تحت مسمى (الحوار الوطني) لكن ما حدث في مؤتمر حلب الأخير لم يكن سوى خلل تنظيمي بدءاً من آليات التنظيم وصولاً إلى المضامين المطروحة.

فهل كان المؤتمر محطةً لاستشراف المستقبل، أم مجرد مرآة عكست إرثًا ثقيلًا من الإخفاقات التي أنهكت السوريين لعقدٍ من الزمن؟

الفوضى التنظيمية: دعوات متأخرة وإقصاء مُتعمَّد؟

بدأ المؤتمر وكأنه فكرةٌ طارئة، حيث تلقت بعض الفعاليات المدعوة إخطارًا بالحضور قبل ساعاتٍ فقط من انعقاده، بينما غابت أطرافٌ أخرى عن القائمة دون مبرر.

هذه العشوائية في اختيار المشاركين تُعيد إنتاج ثقافة “الاستبعاد الانتقائي”، التي طالما شكّلت عائقًا أمام الحوارات السورية، كما أن الدعوات انطلقت من “مكتب المحافظة”، ما يطرح شبهة تحويل الحوار إلى أداء شكلي يكرس هيمنة جهةٍ بعينها.

لم يُستثنَ من هذه الفوضى حتى السوريون في الخارج، خاصة أولئك الذين يحملون خبرات أكاديمية أو عملية من دول مثل تركيا وأوروبا، فكيف يُفترض بمؤتمرٍ يزعم تمثيل “الكل السوري” أن يتجاهل شريحةً لديها القدرة على إثراء النقاش بآليات إدارة مدنٍ ومجتمعاتٍ متقدمة؟!

إدارة فاشلة وحضور هش

لم تنجح اللجنة التحضيرية في إدارة الجلسة، بدءًا من ضعف التنسيق الزمني، ومرورًا بغياب آليات واضحة لتداول الكلمة، وانتهاءً بحادثة الإعتذار المرفوض التي كشفت انقساماتٍ داخلية.

فرفض أحد الأعضاء الاعتذار عن موقفٍ استفزازي ( حدث خلال اللقاء رفض بعض الأشخاص وجود شخص كان يدعم المنتخب سوري الذي كان تابع للنظام المخلوع) فقد وصف أحد أعضاء اللجنة هذا التصرف بالشغب مما آثار غضب المدعويين وهذا لم ليس مجرد سوء تفاهم، بل دليلٌ على استمرار ثقافة الاستعلاء ورفض المحاسبة، حتى في أضيق الدوائر .

محاور جريئة.. ومناقشات هامشية

لم تكن المحاور المطروحة – كالتصالح المجتمعي والعدالة الانتقالية وصياغة الدستور – سوى عناوين برّاقة تفتقر إلى مضامين عملية. فمن غير المعقول منح كل ملفٍ مصيري دقيقتين للنقاش، بينما تُخصص ساعاتٌ للجدل حول حوادث شخصية.

هذه الاختزالية تُظهر أن المؤتمر لم يُخطط له كمساحة حلول، بل كمنصةٍ لإضفاء الشرعية على أجندات مسبقة.

العدالة الانتقالية: هل نصلح البناء أم نرقع الشقوق؟

اللافت أن المؤتمر تجاهل أولوية تشكيل حكومةٍ جديدة قادرة على توحيد المناطق المحررة وإدارة الملفات العاجلة، مثل إعادة النازحين ومحاسبة المجرمين، فكيف نناقش “العدالة الانتقالية” في ظل استمرار سيطرة فصائل متهمة بفسادها على مقاليد الأمور؟

الأخطر من ذلك، محاولة تسويق فكرة “التسامح” مع من تلوثت أيديهم بدماء السوريين تحت ذريعة “الوحدة”، نعم، لا يمكن محاسبة كل من نشر صورة لبشار الأسد، لكنَّ التمييز بين “الخطيئة الفكرية” و”الجريمة المادية” ضرورةٌ لا تحتمل التأويل، فدم الضحايا ليس ورقةً للمساومة.

المجتمع الدولي: من يستخدم من؟

ثمة شبهات بأن المؤتمر مُوجَّهٌ أساسًا لتمرير رسالة زائفة للمجتمع الدولي مفادها أن “السوريين متحدون” تحت مظلة الجهات المنظمة، لكنَّ الحقيقة أن العالم يرى من خلال الأرقام: أكثر من 80% من الحضور كانوا ذكورًا، وأغلبهم من وجوهٍ محسوبة على تياراتٍ بعينها، بينما غاب ممثلو المناطق المحررة حديثًا، والمهجرون في الخارج، وأصحاب الكفاءات القادرون على إدارة الدولة.

الحوار يحتاج إلى شروط!

لا يكفي أن نطلق اسم “الحوار الوطني” على أي تجمع، فالحوار الحقيقي يحتاج إلى:
إشراك الكفاءات من داخل سوريا وخارجها، خاصة من درسوا تجارب بناء الدول.
آليات ضبط تُقصي المجرمين، وتُفرِّق بين الخلاف الفكري والجريمة.
خطة زمنية واقعية، فالحكومات لا تُبنى بين عشية وضحاها.
شفافية مُطلقة في تمويل المؤتمرات وأهدافها.

مؤتمر حلب لم يفشل لأنه “مبادرة”، بل لأنه كرر نفس الأخطاء بوجوهٍ جديدة، فهل نتعلم من الدرس قبل فوات الأوان؟ أم سنظل ندور في حلقة الموت ذاتها؟

شاهد أيضاً الرئيس أحمد الشرع يلتقي الملك الأردني عبد الله الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى