بعد التحرير.. لماذا تستمر الانتهاكات بحق السوريين في تركيا؟

بعد التحرير.. لماذا تستمر الانتهاكات بحق السوريين في تركيا؟
الثامن من ديسمبر عام 2024، تابع ملايين السوريين لحظة الإعلان التاريخي عن سقوط النظام السوري، في مشهد وُصف حينها بأنه “نهاية عهد من القمع وبداية جديدة لسوريا حرّة”. غير أن هذه اللحظة التي انتظرها اللاجئون السوريون لسنوات لم تحمل لهم الأمان أو الكرامة في بلاد اللجوء. بل استمرت معاناتهم، وتضاعفت في بعض الحالات، خاصة في تركيا، حيث يعيش أكثر من 3 ملايين سوري في ظروف غامضة ومقلقة.
التحرير لم يوقف الترحيل
رغم سقوط النظام، ورغم عودة الكثير من السوريين المقيمين في تركيا ضمن برنامج العودة الطوعية، تستمر عمليات الترحيل القسري من تركيا باتجاه سوريا، فيما يُعرف إعلاميًا بـ “العودة الطوعية”، والتي تُمارس غالبًا تحت الضغط. وفي كثير من الحالات، لا يُمنح اللاجئون الوقت الكافي للاستئناف القانوني أو الدفاع عن حقهم بالبقاء، ويتم توقيفهم من أماكن عملهم أو مساكنهم، ثم يُنقلون مباشرة إلى مراكز الترحيل.
يقول محمود (اسم مستعار)، شاب سوري من ريف دمشق، تم ترحيله مؤخرًا من ولاية بورصة:
“قالوا لي إن سوريا تحررت ولم يعد هناك سبب لبقائي هنا. لكنني لا أملك بيتًا ولا عملًا هناك، ولا حتى أقارب. جميعهم مازالوا في تركيا. لماذا يتم طردي من مكان عشت فيه لسنوات؟“.
التضييق على الناشطين.. طه الغازي وغسان ياسين نموذجًا
في منتصف ليلة السبت، اعتُقل الناشط الحقوقي البارز في قضايا اللاجئين السوريين في تركيا، الأستاذ طه الغازي. وفي منشور له على صفحته الشخصية في فيسبوك، أشار الغازي إلى أن توقيفه تم بناءً على كود G207، المعروف في قانون الأجانب بـ “provokatöreylem“، أي المشاركة في أنشطة تحريضية تهدد الأمن القومي.
الغازي يُعد من أبرز المدافعين عن حقوق اللاجئين، ويُعرف بتعاونه مع منظمات حقوقية ومحامين أتراك، حيث يقدم الدعم القانوني والميداني لضحايا التمييز والعنصرية، ويعمل بشكل تطوعي لتسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها السوريون في تركيا. وقد سُحبت منه الجنسية التركية بقرار صدر بتاريخ 27 أيار/مايو 2024، كما أعلن في وقت لاحق.


وفي تطور أخير، أعلن الغازي صباح اليوم عن وصوله إلى معبر باب السلامة الحدودي، بعد صدور قرار رسمي بترحيله من الأراضي التركية. وجاء ذلك بعد اعتقال زوجته أيضًا صباح الأمس، ما يعكس تصعيدًا لافتًا في استهداف النشطاء الحقوقيين وعائلاتهم.
وتزامنًا مع ذلك، تم اعتقال الصحفي السوري غسان ياسين في إسطنبول، حيث جرى اقتياده إلى مركز الترحيل في منطقة أرناؤوط كوي دون تقديم أي توضيحات من قبل دائرة الهجرة التركية، وهو ما يثير القلق حيال استمرار سياسة الاعتقالات التعسفية بحق الأصوات الإعلامية والحقوقية السورية، في ظل غياب الشفافية والمساءلة القانونية.
انتهاكات قانونية تحت مظلة سياسية
المفارقة المؤلمة أن ما بعد التحرير لم يأتِ بانفراج قانوني للسوريين في تركيا. بل على العكس، ازداد التضييق الإداري، وتشددت الإجراءات المرتبطة بالحماية المؤقتة (الكيملك)، فـ بات الشخص الذي يذهب زيارة إلى سوريا ضمن خطة العودة الطوعية يتم تجميد قيوده حتى عودته ليراجع إدارة الهجرة لتفعيل القيود من جديد، وبعض مديريات الهجرة قد تفرض قيوداً عليهم مثل البصمة الأسبوعية أو الشهرية لمدة عام كامل. وتكررت حالات الإيقاف العشوائي، خاصة في المدن الكبرى، دون أي تهم واضحة أو مراجعة قانونية عادلة.
سوريا حرة.. لكنها غير مهيّأة للعودة الجماعية
رغم سقوط النظام، لا تزال سوريا تمر بمرحلة انتقالية حساسة، تتخللها صراعات محلية، وبنى تحتية مدمرة، ومؤسسات خدمية غائبة، وصعوبة توفير سكن وخدمات، ما يجعل العودة الجماعية أمرًا غير عملي.
بين التقارب السياسي واستمرار الانتهاك
رغم الحديث عن تقارب سوري–تركي وتفاهمات أمنية جديدة، تُشير تقارير ميدانية إلى أن الكثير من اللاجئين يتعرضون للتفتيش والتوقيف العشوائي في الشوارع أو أماكن العمل، وتُرفض طلباتهم للاستئناف أو الحماية القانونية.
تحررت سوريا من النظام في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، لكن السوريين في المهجر، وعلى رأسهم الموجودون في تركيا، لم يتحرروا من المعاناة، ولا من الإهانة اليومية في دائرة الهجرة التي يتعرضون لها بسبب وضع قانوني هش وخطاب سياسي متقلب، وتستمر حملات الترحيل والقمع ضدهم، بما في ذلك استهداف الناشطين الحقوقيين الذين يطالبون بحقوقهم.
شاهد أيضا: اشتباكات في جرمانا.. وزارة الداخلية تتدخل