سوريا

سوريا في قبضة الفضاء الأزرق.. بين التحريض والانقسام

لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد منصات للتفاعل وتبادل الأفكار، بل تحولت إلى ساحات مكتظة بالتحريض الطائفي والتعبئة العاطفية التي تؤجج العنف وتبرره.

فيسبوك، على وجه الخصوص، لم يعد مساحةً للحوار، بل أصبح بيئة خصبة يعاد فيها إنتاج الكراهية، حيث تتصارع الأيديولوجيات المتطرفة، وتُزرع الفتن عبر منشورات وتعليقات تدفع المجتمع نحو مزيد من التوتر والانقسام.

في هذا المشهد الفوضوي، يبرز متصدرون يسعون إلى النفوذ والهيمنة الرقمية، وآخرون يلهثون وراء الشهرة بأي ثمن، في حين يتوه البعض في رحلة البحث عن هوياتهم داخل هذا العالم الأزرق، ويجد آخرون، ممن يعانون اضطرابات نفسية، متنفسًا لهم في نشر الخطاب العدائي، جميعهم، بوعي أو دون وعي، يساهمون في تغذية دوامة العنف، سواء عبر الترويج له أو تبريره أو حتى تجميله.

لقد أصبح فيسبوك اليوم ساحة معركة موازية، حيث لا تُستخدم الأسلحة التقليدية، بل تُخاض الحروب عبر الكلمات والمواقف والمفاهيم المسمومة، التي تتسلل إلى العقول وتعيد تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات نحو مزيد من العداء والتفكك.

المعارك التي تبدأ من منشور قد تمتد إلى أرض الواقع، والتعبئة التي تنطلق من تعليق قد تتحول إلى فعل خطير على الأرض.

إن موجات التحريض والتجييش المستمرة تخلق واقعًا مشوّهًا، تجعل الناس يفقدون القدرة على التمييز بين الحقيقة والدعاية، بين الدفاع عن الحقوق والانجرار خلف دعوات الانتقام، وبين حرية التعبير والترويج للعنف.

لقد صار الخطاب العدائي أداة توظَّف بمهارة، إما لشرعنة العنف أو لإعادة إنتاج الصراعات بشكل مستمر، حتى باتت الجرائم تبدأ من كلمات تُكتب على عجل، لكنها تترك أثرًا طويل الأمد في وعي المجتمع.

لذلك، ربما حان الوقت لنقف ونعيد التفكير: هل نستخدم هذه المنصة أم أنها تستخدمنا؟ هل نعبر عن آرائنا بحرية أم أننا مجرد بيادق في لعبة أكبر تدفعنا نحو مزيد من الانقسام والتصعيد؟ سوريا اليوم بحاجة إلى أصوات عاقلة تكسر هذه الحلقة المفرغة، إلى خطاب يعيد بناء الجسور بدل أن يهدمها، وإلى وعي يدرك أن الكلمة، حين تُستخدم بلا مسؤولية، قد تكون أخطر من أي سلاح.

شاهد أيضاً مازن الناطور نقيبًا للفنانين السوريين ونور مهنا نائبًا له

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى