جامع النور في تيرمعلة… من رماد القصف إلى ضوء الحياة من جديد
جامع النور في تيرمعلة… من رماد القصف إلى ضوء الحياة من جديد

في قلب قرية تيرمعلة بريف حمص الشمالي، يقف جامع النور شاهدًا على مسيرة مكانٍ جمع بين الإيمان والذاكرة، وبين الدمار وإرادة الحياة. فالمسجد الذي بدأ بناؤه عام 1996، وافتُتح رسميًا في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2002 ضمن احتفال ديني واسع حضره كبار المشايخ وأهالي البلدة، لم يكن مجرد مكان لأداء الصلاة، بل سرعان ما أصبح مركزًا اجتماعيًا وروحيًا وثقافيًا لأهالي القرية. وفي الثامن من الشهر نفسه، صدح المسجد بأولى خطب الجمعة، مُعلنًا حضورًا جديدًا في حياة الناس اليومية.
لكن دوره لم يتوقف عند المجال الديني؛ فمع اندلاع الحراك المدني في سوريا، كان جامع النور أحد أبرز نقاط التجمع في تيرمعلة. ففي الأول من نيسان/أبريل 2011، انطلقت منه أول مظاهرة تطالب بإسقاط النظام، معلنةً بداية فصل جديد من دوره المجتمعي. أصبح المسجد رمزًا للمقاومة السلمية، ومركزًا لتشييع الشهداء، ومنه خرجت الهتافات التي حملت مطالب الأهالي وآلامهم.

قصف متكرر… ومسجد يتحول إلى هدف
لم ينجُ جامع النور من الاستهداف العسكري الذي طال معظم مناطق ريف حمص. ففي 15 تشرين الأول/أكتوبر 2015 تعرّض لأول غارة روسية أدت إلى تدمير أجزاء منه، تلتها غارة ثانية في 17 تشرين الأول 2015، مخلفة ضررًا أكبر. وعلى مدار ثلاث سنوات، ظل المسجد هدفًا للقصف الجوي والمدفعي، حتى سقطت مئذنته في إحدى الضربات، ليخسر جزءًا من رمزيته العمرانية التي طالما ميّزت أفق القرية.
ومع ذلك، بقيت صور الدمار التي لحقت به أقل حضورًا من قوّة ارتباط الناس به. فالمسجد ظلّ في ذاكرة الأهالي مكانًا للقاءات، للاحتجاج، وللصلاة، ورمزًا لسيرة طويلة من الحضور الاجتماعي والروحي.
محاولات إحياء… قبل أن تنضج الظروف
قبل “تحرير سوريا”، بدأ بعض أبناء القرية بمحاولات متواضعة لإعادة ترميم أجزاء من المسجد وإحياء الصلاة فيه رغم شحّ الإمكانيات. كانت تلك الخطوات أقرب إلى فعل مقاومة معنوية، وإصرار على إبقاء المكان حيًا على الرغم من الجراح المفتوحة.
عودة الحياة: حملات ترميم واسعة
مع تحسن الظروف، أطلق الأهالي حملة واسعة لجمع التبرعات لإعادة ترميم المسجد بشكل كامل. ومع شهر أيار/مايو 2025، توسّعت الحملة بشكل ملحوظ، وشارك فيها أبناء القرية داخل سوريا وخارجها، ما سرّع من وتيرة إعادة البناء.
اعتمدت الحملة على جهود محلية بالكامل: أيادٍ تعمل، وأخرى تتبرع، وشباب يشاركون طوعًا في تنظيف المكان وتأهيله. ومع تقدم العمل.

الجامع اليوم… ذاكرة تُرمّم وهوية تعود
اقترب ترميم جامع النور من مراحله الأخيرة. بعض التفاصيل المعمارية والإنشائية الصغيرة فقط ما تزال قيد الإنجاز قبل إعادة افتتاحه رسميًا. لكن بالنسبة لأهالي تيرمعلة.
اليوم، لا يشكل جامع النور مجرد مبنى يعود للحياة، بل يمثل ذاكرة جماعية واحدة منسوجة بين الماضي والحاضر؛ ذاكرة أول مظاهرة، وأول هتاف، وأول صلاة جمعة بعد كل موجة من القصف. وهو أيضًا وعدٌ بأن الأماكن التي تحمل معنى لا تموت، وأن ما دُمّر يمكن أن يُبنى من جديد حين تتوفر الإرادة.



