سوريامقالات الرأي

السويداء بين وهم الانفصال وحقيقة الانتماء

السويداء بين وهم الانفصال وحقيقة الانتماء

تتصاعد بين الحين والآخر أصوات تدعو إلى انفصال السويداء أو إقامة كيان مستقل عنها. تبدو هذه الدعوات في ظاهرها استجابة لمخاوف واحتقانات محلية، لكنها في حقيقتها بعيدة عن الواقع والإمكانات. فالمحافظة، جغرافيًا واقتصاديًا وسياسيًا، لا تمتلك مقومات تسمح لها بالعيش ككيان منفصل، بل إن ارتباطها الطبيعي والتاريخي بدمشق ودرعا يجعل من استقرار هاتين المحافظتين شرطًا مباشرًا لازدهار السويداء وتلبية حاجاتها الأساسية.

التجارب القريبة تقدم درسًا واضحًا: إقليم كردستان العراق، الذي يمتلك موارد بشرية ومالية ضخمة وخاض عقودًا من العمل السياسي والإداري المستقل، لم ينجح في انتزاع دولة معترف بها. فكيف يمكن للسويداء، وهي أصغر وأضعف من حيث الإمكانات، أن تحقق ما عجز عنه إقليم بهذا الحجم؟ أضف إلى ذلك أن القوى الإقليمية والدولية الكبرى ليست في وارد فتح باب تقسيم جديد في المنطقة، لما يحمله ذلك من مخاطر على استقرار الإقليم بأسره.

المشكلة الحقيقية أن بعض الأصوات المحلية، وفي مقدمتها حكمت الهجري، تحاول الترويج لمشروع لا يحظى بواقعية ولا بدعم شعبي حقيقي، مستندة إلى خطاب تعبوي يتقاطع أحيانًا مع مصالح خارجية، بدءًا من تهريب المخدرات وحماية فلول النظام المتواجدين هناك، وصولًا إلى المناشدة العلنية لإسرائيل ودول الإقليم والغرب. هذه السياسة، بدل أن تحفظ كرامة أبناء السويداء، تهدد بإدخالهم في عزلة وعداء مع باقي السوريين، وتفتح بابًا واسعًا للمواجهة الداخلية التي لا يربح فيها أحد.

السويداء ليست غريبة عن الوطن، وأهلها كانوا ولا يزالون جزءًا أصيلًا من نضالات السوريين، من الثورة السورية الكبرى إلى يومنا هذا. مكانتهم لا يمكن أن تُصان إلا في إطار سوريا واحدة، عادلة وديمقراطية، تفتح باب الإصلاح وتضمن الحقوق وتضع حدًا للتهميش. إن معارضة السلطة أو الاعتراض على السياسات أمر مشروع ومفهوم، أما تحويل ذلك إلى مشروع انفصال أو استدعاء للتدخل الخارجي فهو مسار خطير لا يخدم أهل المحافظة ولا مستقبل أبنائها.

أهلنا في السويداء، أنتم جزء لا يتجزأ من النسيج السوري. الحذر واجب من بيع الكلام والشعارات التي تبدو براقة في ظاهرها لكنها تؤدي إلى العزلة والضياع. وحدها الوحدة الوطنية قادرة على حماية الكرامة، وصون الدماء، وبناء مستقبل أفضل لنا جميعًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى