مرحلة تسيير الأعمال والتأسيس لسلطة دائمة: توضيح حول ما يجري

شهدت الأشهر الثلاثة الماضية أحداثًا تؤكد أن ما نراه اليوم هو سلطة أمر واقع، وليست نواة لدولة حقيقية.
أحمد الشرع أسس نظامًا أقرب إلى إمارة، معتمدًا على لون واحد في كافة المناصب، سواء في الجيش أو المحافظين أو حتى في حكومة تسيير الأعمال، في ظل تغييب سياسي ممنهج. الحفاظ على مؤسسات الدولة أمر مهم، لكن الإبقاء على الشبيحة داخلها، ولو تمت تغطيتهم ببعض الأحرار، أمر مرفوض ولا يخدم بناء سوريا الجديدة.
غياب الإعلام، غياب العدالة، غياب المحاسبة، غياب الإعلان الدستوري، وأحداث الساحل الأخيرة كلها مترابطة، والسبب الأساسي هو النهج الذي تتبعه السلطة الحالية.
بعد التحرير، وفي ظل عدم وقوع مجازر خلال الأيام الأولى، حظي أحمد الشرع بشعبية كبيرة، حيث اعتقد الكثيرون أن أي جهة أخرى لو استلمت لكان هناك شلال دماء.
لكن خلال الأيام الأخيرة، بدأت الصورة تتغير جزئيًا، ليس بسبب تبدل القناعات، بل لأن الخوف من المجهول لا يزال حاضرًا لدى البعض.
ما يجري ليس ارتجاليًا، بل هو نهج مدروس لاستبعاد السياسيين والمثقفين والكوادر العسكرية، خاصة الضباط المنشقين الذين يعدّون بالآلاف، لضمان بقاء السلطة بيد فئة محددة.
الشرع يستغل خوف السوريين بعد 14 عامًا من القتل والدمار لتثبيت سلطته، فيما لا تزال قضايا جوهرية مثل الإعلان الدستوري، مجلس الشعب، والحكومة الانتقالية معلقة، لكنها ستُفرض لاحقًا وفق رؤية تُكرس سلطة الأمر الواقع، وليس وفق عملية ديمقراطية حقيقية.
تحرير سوريا لم يكن شاملًا، وربما كان جزءًا من صفقة دولية أبقت على بعض المحافظات بيد قسد، وأبقت الجنوب والشمال في وضع معقد تحت النفوذ التركي والمرتزقة.
اليوم، يتم التحضير لفرض حكومة ومجلس شعب وإعلان دستوري، جميعها ستُعين من قبل السلطة الحالية، مما يعني تكريس نفس النهج ولكن بإطار رسمي أوسع.
ما جرى خلال الأشهر الماضية ليس إلا خطة محكمة لاستبعاد مكونات رئيسية، مقابل كسب تأييد شعبي من الفئات الأكثر معاناة، التي تبحث عن الاستقرار بأي ثمن.
الوعي المجتمعي موجود، لكنه مكبل بالخوف من المستقبل، وهو ما يُستخدم لترسيخ فكرة أن استمرار هذه السلطة هو الخيار الوحيد.
في المقابل، هناك أصوات تحاول تقديم رؤية حقيقية لكنها غير مسموعة، وأخرى تستعين بدول خارجية لإبقاء الوضع غير مستقر، وهو ما يخدم السلطة الحالية التي تستفيد من استمرار الفوضى.
ما نحتاجه اليوم هو وضوح الرؤية والمطالبة بآليات حكم شفافة، تعكس تطلعات السوريين بمختلف مكوناتهم، بعيدًا عن إعادة إنتاج سلطة جديدة بنفس الأساليب القديمة.
سوريا لن تُبنى بسياسات الإقصاء، بل بالمشاركة والعدالة والحرية.
شاهد أيضاً سوريا في قبضة الفضاء الأزرق.. بين التحريض والانقسام