مقالات الرأي

صراع الإرث في سوريا: بين شروط الدين وسلطة العادات والتقاليد.

برزت قضية الإرث في سوريا مجدداً بعد سنوات من الحرب والثورة، حيث عادت الممتلكات إلى أصحابها وعادت معها النزاعات الموروثة التي كانت مغمورة بالنفوس لسنوات
وسط هذا المشهد بات حرمان النساء من حقوقهن الشرعية في الإرث إحدى أبرز القضايا التي تعكس التوتر بين النصوص الدينية التي تضمن حقوقهن والعادات والتقاليد التي تحول دون تطبيق هذه الحقوق.
لم يكن حرمان النساء من حقوقهن الإرثية أمراً جديداً على المجتمع السوري، لكنه كان مغيباً عن الساحة خلال سنوات الحرب حين كانت الأرزاق مغتصبة ولا تصل لأصحابها. الآن،خاصة بعد التحرير مع استعادة الأملاك وإعادة بناء الحياة، طفت النزاعات على السطح مرة أخرى، حيث وجدت النساء أنفسهن في معركة شرسة لاسترداد حقوقهن سواء عن طريق المحاكم أو المواجهة العائلية.

ضجّت المحاكم بقضايا الإرث، حيث تزايدت الدعاوى المرفوعة من النساء ضد عائلاتهن لاسترداد حقوقهن المشروعة.
يقول المحامي إبراهيم المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية عند سؤالنا له :هل ينص القانون السوري على منح المرأة حقها في الإرث؟
نعم، القانون السوري ينص على منح المرأة حقها في الإرث وذلك استناداً إلى أحكام الشريعة الإسلامية، التي تُطبّق في مسائل الأحوال الشخصية بما فيها الإرث، حيث ينظّم قانون الأحوال الشخصية السوري توزيع التركة بين الورثة حسب القواعد الشرعية، والتي تعطي المرأة نصيباً محدداً بحسب صلتها بالمتوفى، مثل نصف ما يرثه الذكر في حالات معينة (كحالة الأبناء، حيث يرث الابن ضعف نصيب البنت) المواد القانونية السورية التي تنص على حقوق المرأة في الإرث، وهي موجودة أساساً ضمن قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 لعام 1953، وتعديلاته (آخرها التعديل الكبير في 2019)، واللي يستند بأحكام الإرث إلى الفقه الإسلامي (المذهب الحنفي)، المادة 264 من قانون الأحوال الشخصية السوري، “تُطبّق في مسائل التركات والإرث أحكام الشريعة الإسلامية.”، المادة 302 وما بعدها من قانون الأحوال الشخصية، تحدد كيفية توزيع التركة وإجراء حصر الإرث.
إذاً أين تكمن المشكلة في تطبيق هذا القانون؟
يُكمل الأستاذ قائلاً المشكلة ليست في النص القانوني بحد ذاته، بل غالباً في تطبيقه على أرض الواقع، وتحديداً:

  1. الضغط الاجتماعي والعائلي، كثير من النساء، خاصة في المناطق الريفية أو التقليدية، يتعرضن لضغط من الإخوة أو الأقارب للتنازل عن حقهن في الميراث “للحفاظ على الأرض داخل العائلة” أو “بدافع الحياء أو التضامن
  2. الجهل بالحقوق، بعض النساء لا يعلمن بأن لهن حق قانوني في الإرث، أو لا يعرفن الإجراءات القانونية للمطالبة به.
    3.ضعف التمكين القانوني والقضائي، رغم وجود القانون، فإن ضعف الوصول إلى المحاكم، أو الخوف من تبعات اجتماعية، قد يمنع المرأة من رفع دعوى للمطالبة بحقها.
  3. التلاعب في إجراءات توزيع التركة، أحياناً لا يتم حصر الإرث أو تسجيله رسمياً، ويتم توزيع التركة بشكل عرفي داخل العائلة دون أي توثيق رسمي، ما يؤدي إلى تغييب حقوق بعض الورثة، خصوصاً النساء.
  4. العرف أقوى من القانون في بعض المناطق، هناك مجتمعات ما زالت تسير على العرف العشائري أو القبلي، الذي لا يعترف غالباً بحقوق المرأة في الميراث أو يعتبرها مسألة “عيب” أو “ثانوية

تروي فاطمة وهي مطلقة وأم لطفلين، معاناتها المستمرة مع إخوتها قائلة: _رُفضت كابنة داخل عائلتي، ورُفض منحي حقي الشرعي في الإرث وحتى حين طلبت العيش في بيت مستقل يضمن كرامتي وحرية أطفالي رُفض ذلك بحجة الخوف من كلام الناس.
تضيف فاطمة أن إخوتها منعوها من أي مساحة للعيش بكرامتها، سواء داخل بيتهم كأخت أو خارجه كإنسانة مستقلة.

الصراع مفتوح بين الدين والعُرف:
في مواجهة هذه القضايا يقف الدين كمرجع قوي وواضح ينص على حقوق المرأة في الإرث، يقول الشيخ عمر: القرآن الكريم نص بشكل صريح على حق المرأة في الإرث حيث قال الله تعالى: _’يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ . [سورة النساء: 11]. من ينكر هذا الحق يُخالف أوامر الله ويدخل في دائرة الظلم.

إلا أن هذه النصوص الدينية تواجه عراقيل عندما تصطدم بتقاليد اجتماعية متجذرة ترى في حرمان المرأة من الإرث نوعاً من الحفاظ على “ثروة الأسرة”. ومن أبرز المبررات التي تُستخدم هي أن المال سينتقل إلى “رجل غريب” عند زواج المرأة.
مع تصاعد هذه الظاهرة، يظهر بوضوح أن المسألة لا تتعلق فقط بالحقوق المالية بل تمتد إلى قضايا الكرامة والعدالة الاجتماعية.
رغم المحاولات الفردية لاستعادة الحقوق، يبقى التحدي الأكبر هو تغيير العقلية الاجتماعية وتذكير الجميع بأن إرث المرأة ليس تهديداً، بل حق شرعه الله وجب احترامه.

وهنا تُطرح تساؤلات عديدة: متى سيتغير الواقع الاجتماعي الذي يقيد حق المرأة؟ وهل يمكن أن تشهد الأجيال القادمة تغييرات جذرية في المفاهيم المتعلقة بالإرث وحقوق النساء؟

شاهد أيضاً :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى