سوريا

الجدل يشتعل حول تجميل ساحة سعد الله الجابري: هل يحترم المشروع تاريخ حلب أم يفرض هوية جديدة؟

انتقادات واتهامات بعدم الشفافية ضد محافظة حلب

أثار مشروع تجميل ساحة سعد الله الجابري في مدينة حلب، الذي أطلقه مجلس محافظة حلب بالتعاون مع الشركة السورية التركية القابضة (STH) وشركة إعمار سوريا، موجة واسعة من الانتقادات، واعتبر البعض أن التعديلات التي يشملها المشروع لا تتناسب مع الطابع العمراني والتاريخي للمدينة، خاصة أن الساحة تُعد من أهم المعالم في وسط حلب التجاري ومركزها الحيوي.

وما زاد الجدل، إزالة “نصب الشهداء” الذي صمّمه النحات الحلبي الراحل عبد الرحمن موقت عام 1984، واستبداله بنصب جديد يحمل اسم “حلب”، وهو ما اعتبره معارضو المشروع طمسًا لهوية الساحة دون الرجوع إلى أهل الاختصاص.

رأى العديد من الناشطين والمهندسين أن التصميم الجديد لم يراعِ النسيج العمراني للمدينة، مشيرين إلى أن الساحة شكلت عبر العقود الماضية منطلقًا لمهرجانات القطن واحتفالات المدينة، وكان من الممكن إجراء تصاميم تحافظ على ذاكرتها التاريخية بدلًا من تغيير معالمها الأساسية.

كما دعا مختصون إلى التروي قبل تنفيذ المشروع، وإشراك خبراء العمارة والجهات المعنية في القرار، إضافة إلى مزيد من الشفافية من المحافظة والجهة المنفذة، خصوصًا أن المشروع ليس أولوية ملحة مقارنة بالأزمات الخدمية التي تعاني منها المدينة.

تواصلت وكالة الصحافة السورية مع محافظة حلب لطرح تساؤلات الشارع حول المشروع.

وقال مسؤول المكتب الإعلامي لـ محافظة حلب، مالك الأحمد: إن المحافظة أعلنت عن المشروع بشكل رسمي، لكن لم يتم الإعلان عن مشروع التجميل قبل البدء.

وأضاف أن الشركة اقترحت على المحافظة إعادة تجميل الساحة وفق معايير تم التوافق عليها بعد التشاور مع البلدية.

وأكد الأحمد أن لجنة مختصة من أعضاء مجلس مدينة حلب اطّلعت على المشروع، لكن لم يتم اطلاع نقابة المهندسين عليه.

وأوضح أن المناقصات العلنية لم تُجرَ، لأن الشركة التي اقترحت مشروع التجميل هي نفسها المنفذة بتمويل من صندوقها الخاص، ولم تُعلن المحافظة عن ذلك لأنها لم تتحمل أي تكاليف.

وأشار إلى أنه عندما تكون المشاريع على نفقة المحافظة، يتم الإعلان عن المناقصات بشكل علني.

وشدد على أن الشركة تعمل تحت عنوان “حلب رح ترجع أحلى”، وهي حملة أطلقتها المحافظة برعاية محافظة حلب، لافتًا إلى أنه قد تكون هناك شركات أخرى تعمل على تجميل ساحات مختلفة في المدينة.

أيضًا، حصلت وكالة الصحافة السورية على تصريح من الشركة السورية التركية القابضة عبر المهندس المعماري أنس كلزية، حيث أكدت الشركة المنفذة عبر المهندس أنس كلزية أن المشروع تم وفق تفويض رسمي من المحافظة، مشيرًا إلى أن التنسيق جرى مع المكتب الهندسي في مجلس مدينة حلب، والذي بدوره تواصل مع عمادة كلية العمارة لعقد اجتماعات ومناقشة التصميم المعتمد.

وأضاف كلزية أن المشروع لا يعد تصميمًا جديدًا بالكامل، وإنما هو عملية صيانة وتطوير مع إضافة لمسات حداثية دون تغيير جوهري في شكل الساحة، وذلك ضمن الميزانية المحددة.

وفيما يتعلق بإزالة نصب الشهداء، أوضح أن القرار لا يزال قيد الدراسة لدى مجلس المحافظة، حيث لم يُحسم بعد ما إذا كان سيُنقل إلى مكان آخر أم سيبقى في موقعه الحالي.

و أيضاً أكد المكتب الإعلامي لـ محافظة حلب أن “نصب الشهداء” سيبقى في مكانه، بعد الجدل الذي أثير والصور التي نُشرت عن المشروع.

وعند سؤاله عن سبب عدم الإعلان عن المشروع مسبقًا لإتاحة الفرصة لمهندسين ومكاتب تصميم أخرى لتقديم مقترحاتهم، أجاب كلزية أن المشروع هو مبادرة من الشركة، وتمويله يتم بالكامل من قبلها دون أي دعم من جهات أخرى، موضحًا أن للشركة مكتبًا هندسيًا متخصصًا بخبرة كبيرة، وأن مدة التنفيذ محددة بشهرين فقط.

وفيما يتعلق بالانتقادات الموجهة للتصميم، أوضح كلزية أن التصميم المعماري هو عمل إبداعي وفني، وهو أمر طبيعي أن يحظى بآراء متباينة، مؤكدًا أن الهندسة المعمارية تتنوع بين مدارس مختلفة مثل “الآرت نوفو”، و”الباوهاوس”، والأنماط الإسلامية والكلاسيكية.

كما تساءل عن ضرورة تكرار العناصر المعمارية القديمة في المدينة، وهل النصب الذي أثار الجدل يعتبر بالفعل جزءًا من الطابع التاريخي والثقافي لحلب؟

وختم بالقول إن الشركة منفتحة على أي نقد بناء أو اقتراحات، وأن مكتبها مفتوح لمن يرغب في تقديم أفكار أو ملاحظات، مؤكدًا أن المدينة تحتاج لمزيد من المبادرات والأفكار التطويرية، بدلًا من الانتقادات غير المستندة إلى دراية كافية.

من جهة أخرى، علق المهندس المعماري حسام الدين فاعل، ابن مدينة حلب، على مشروع تجميل ساحة سعد الله الجابري والأسباب التي أدت إلى توجيه انتقادات للشركة المنفذة ومحافظة حلب.

وأوضح فاعل أن الانتقادات التي طالت المشروع تعود إلى عدة أسباب رئيسية، أبرزها أن المشروع لم يكن مجرد عملية تجميل بسيطة، بل تضمن تعديلات جوهرية أثارت الكثير من التساؤلات والاعتراضات، وكان بالإمكان تفادي هذه الانتقادات لو تم التخطيط للمشروع بأسلوب أكثر شفافية ومشاركة مجتمعية.

وأكد فاعل أن آلية اتخاذ القرار في مثل هذه المشاريع، التي تؤثر بشكل مباشر على هوية المدينة العمرانية والبصرية، لا ينبغي أن تكون فردية أو فوقية، لأن التعديلات المقترحة تؤثر على معلم رئيسي في مدينة بحجم وأهمية حلب، وكان من الضروري أن تمر عبر مجلس مدينة منتخب يمثل تطلعات سكان المدينة، بعد استشارة لجنة متخصصة ذات خبرة وكفاءة عالية، ومن الأفضل كان إطلاق مسابقة مفتوحة لاختيار التصميم الأنسب بما يحترم هوية المدينة وتاريخها.

وشدد فاعل على الكفاءة الفنية للتصميم، حيث أن من الواضح أن التصميم تم إنجازه على عجلة، فهو ليس فقط تغييرًا سطحيًا، بل يتضمن تعديلات عميقة وجذرية دون مراعاة ارتباط السكان بالساحة.

أما بالنسبة للبعد التجاري والترويجي للمشروع، فقد أشار فاعل إلى أن إدراج لوحات رخامية تحمل اسم الشركة المنفذة بشكل كبير ومركزي في تصميم الساحة يجعل المشروع يبدو وكأنه حملة ترويجية للشركة أكثر من كونه مبادرة لإعادة تأهيل ساحة عامة، كما أن وجود شريك أجنبي في المشروع أثار تساؤلات حول مدى الحاجة إلى رأس مال تجاري أجنبي لترميم ساحة ذات قيمة وطنية، لأن مثل هذه المشاريع يجب أن تُطرح عبر مزايدة شفافة تتيح المجال لمشاركة شركات متعددة، مع إعطاء الأولوية لرأس المال الوطني.

وعلق المهندس حسام الدين فاعل على غياب الشفافية والمناقصات العلنية لتنفيذ مشروع تجميل ساحة سعد الله الجابري قائلاً: “لا تتوفر لدي معلومات دقيقة حول ذلك، لكن الواضح أن هناك توجهاً جديداً حيث تتقدم بعض الشركات بمشاريع مقترحة مصحوبة بالتمويل اللازم، مما يجعل صانع القرار يعتقد أن العلاقة متوازنة وفق مبدأ ‘رابح – رابح’، أي أن المدينة تحصل على تطوير دون أن تتحمل أعباء مالية، بينما تستفيد الشركة من الترويج لنفسها. لكن هذا التصور خاطئ وغير منصف.”

وأضاف: “مثل هذه الصفقات قد تكون مقبولة – وإن كان على مضض – في مشاريع صغيرة مثل دوارات أو شوارع جانبية، لكنها ليست مقبولة عندما يتعلق الأمر بميدان مركزي بهذه الأهمية، لأن الساحات الرئيسية في المدن ليست مجالًا للاستثمارات التجارية، بل ينبغي أن تكون قرارات تطويرها مبنية على رؤية عمرانية واضحة، ومفتوحة للمنافسة العلنية التي تضمن الجودة والعدالة في الاختيار.”

واعتبر فاعل، بصفته مهندساً معمارياً، أن التصميم المقترح لا يعكس هوية حلب المعمارية، سواء من حيث الأصالة أو الحداثة.

وأضاف قائلاً: “لا توجد أي عناصر مستوحاة من العمارة الحلبية التقليدية، مما يجعل التصميم غير منسجم مع السياق العمراني للمدينة، وما نراه في المشروع هو اتباع نمط الهندسة الدولية، وهو تيار معماري يقدم تصاميم ذات طابع عالمي يمكن أن تناسب أي مدينة في أي بلد دون أن تعكس هوية ثقافية أو تاريخية محددة، وهذا يتناقض مع أهمية الموقع الذي يمثل جزءًا من الذاكرة الجمعية لسكان حلب.”

وتابع: “إضافةً إلى ذلك، لا يوجد أي بُعد رمزي في التصميم المقترح، خاصة فيما يتعلق بدور الساحة كمعلم يعبر عن التضحيات والبطولات، والنصب التذكاري الحالي، رغم أنه قديم وعمره 40 عامًا، مصنوع من الحجر الحلبي، ويجسد قيمًا وطنية وفنية تعكس روح المدينة، وكان قد أُنجز عبر مسابقة فنية وليس بقرار إداري مفروض.”

كما نوه فاعل إلى مسألة جوهرية أخرى تتعلق بالمواد المستخدمة في التصميم، ومدى ملاءمتها للواقع الاجتماعي والاقتصادي للمدينة، وقال: “في ظل الوضع الحالي، يجب دراسة كيفية تفاعل الناس مع المواد المستخدمة في التشكيلات المعمارية، وهل يمكن أن تتعرض للتخريب بسهولة نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة؟ التعامل مع هذه الجوانب بحكمة ضروري لضمان ديمومة أي مشروع حضري في مدينة مثل حلب.”

حول الحلول المقترحة لتدارك الأخطاء، يقول فاعل:

على المدى القصير: يجب تعديل المشروع ليكون ترميمياً أو تجميلياً محدوداً بدلاً من أن يكون إعادة تصميم جذرية، ومن الضروري الإبقاء على النصب التذكاري الحالي كجزء من ذاكرة المدينة، مع إمكانية تطوير محيطه بطريقة تحافظ على رمزيته.

وأضاف أنه يمكن الإشارة إلى الشركة المنفذة بشكل متواضع في زاوية غير بارزة من الساحة، بدلاً من فرض وجودها بشكل دعائي غير مقبول.

وعلى المدى البعيد، يرى فاعل أنه يجب الانتظار حتى يتم انتخاب مجلس مدينة يمثل سكان حلب، بحيث يكون لديه الشرعية لاتخاذ قرارات متعلقة بالمشاريع الكبرى. كما ينبغي تشكيل لجنة متخصصة مسؤولة عن تخطيط الساحات العامة، بحيث تضع معايير واضحة لأي تطوير مستقبلي، وتفتح الباب أمام مسابقات تصميمية شفافة لاختيار الأنسب.

وأكد على ضرورة اعتماد نهج يراعي السياق التاريخي والاجتماعي لحلب، بحيث يتم تطوير المدينة بأسلوب يحترم هويتها، بدلاً من فرض تصاميم حديثة غير متجانسة معها.

ويرى السوريون أن من أبرز أولوياتهم إعادة الإعمار وتوفير بنية تحتية ملائمة تضمن العيش الكريم للمواطنين، فمنذ التهجير الذي تعرض له السكان الأصليون في عام 2016، تعرضت أحياء حلب الشرقية للقصف والدمار، ولم يتم إزالة الركام حتى اليوم، فيما لا تزال الخدمات الأساسية معدومة، وحتى الآن تنتشر عشرات المخيمات في المناطق الريفية، حيث لا يستطيع الكثير من قاطني المخيمات العودة إلى منازلهم بسبب غياب الحياة والخدمات.

أولويات أهالي حلب اليوم تركز على توفير الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والمواصلات والتعليم والصحة في المناطق المتضررة. ومن عاد إلى منزله، يعاني من نقص حاد في هذه الخدمات. فيما يعتقد البعض أن حلب باتت مقتصرة فقط على أحيائها الغربية التي لم تتأثر، بينما أصبحت أحياء حلب الشرقية خارج المعادلة.

وأخيرًا، إن ساحة سعد الله الجابري في حلب ليست مجرد نقطة تقاطع للحركة المرورية، بل هي رمز من رموز المدينة وتاريخها العريق، وسُمّيت بهذا الاسم تكريمًا لرئيس الوزراء السوري الأسبق، سعد الله الجابري، كما تحمل الساحة بين جنباتها معالم ثقافية وتاريخية تعكس هوية حلب وروحها، ورغم التحديات والتغيرات التي مرت بها، تبقى الساحة شاهدة على تطورات المدينة وحافظة لذكريات الماضي.

إن الحفاظ على هذه الساحة وعلى “نصب الشهداء” تحديدًا يعكس احترام المدينة لتاريخها وتراثها، ويستدعي ضرورة اتخاذ قرارات مدروسة في كل ما يتعلق بتطوير معالمها بما يتناسب مع هويتها الثقافية والتاريخية، وقد هتف السوريون باسمها، مطالبين بالحرية والعدالة على مدار 14 عامًا، حتى تحقق حلمهم ووصلوا إلى الساحة.

شاهد أيضاً بين الانقلاب والاستفزاز: حقيقة تحركات الفلول في اللاذقية بعد سقوط النظام السوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى