بين الانقلاب والاستفزاز: حقيقة تحركات الفلول في اللاذقية بعد سقوط النظام السوري

بعد سقوط نظام الأسد، دخلت البلاد مرحلة حساسة من إعادة التشكل السياسي والأمني، حيث بدأ يشهد الوضع فوضى واضطرابًا في مختلف المناطق، خاصة في معاقل النظام السابقة.
بقايا النظام، المعروفين بـ “الفلول”، حاولوا استغلال هذه الفوضى من خلال تحركات محدودة في بعض المناطق الحساسة مثل اللاذقية، ما أثار تساؤلات عدة:
• هل كانت تلك التحركات انقلابًا حقيقيًا يستهدف إسقاط النظام الجديد؟
• هل كانت هناك فرصة فعلية لنجاح تمردهم؟
• أم أن التحركات كانت مجرد استفزاز مدروس لضمان تصعيد الوضع الطائفي وضرب العلويين؟
هل كان انقلابًا حقيقيًا من قبل الفلول؟
عادةً ما تتطلب الانقلابات العسكرية تخطيطًا دقيقًا، اختراقًا للأجهزة الأمنية والعسكرية، وتأمين قاعدة شعبية ودعماً من الداخل، إذا كانت الفلول تنوي تنفيذ انقلاب حقيقي، من المتوقع أن تكون نقطة الانطلاق في العاصمة دمشق، حيث يتواجد المركز السياسي والعسكري للنظام، ولكن ما حدث في اللاذقية، رغم ما لها من رمزية تاريخية واستراتيجية، كان بعيدًا عن كونها قاعدة مناسبة لثورة عسكرية حقيقية ضد النظام الجديد.
ورغم بعض المحاولات لإثارة الاضطرابات في الساحل السوري، لم تُظهر التحقيقات والوقائع على الأرض أي بنية تنظيمية حقيقية من قبل الفلول قادرة على تنفيذ انقلاب ناجح، النظام الجديد، رغم كونه في مرحلة انتقالية ويعاني من تحديات جمة، كان مدعومًا بمؤسسات عسكرية وأمنية متماسكة وقوى ثورية متنوعة، ما جعل فكرة الانقلاب العسكري غير واقعية في تلك الفترة.
هل كان للتمرد العسكري فرصة نجاح؟
النجاح في أي محاولة انقلاب يعتمد على عدة عوامل رئيسية، أهمها:
• الدعم الداخلي: هل كانت هناك قيادات عسكرية وأمنية موالية للفلول؟
• الدعم الشعبي: هل نجح الفلول في جذب تأييد جزء من السكان في اللاذقية؟
• الدعم الإقليمي والدولي: هل حصلوا على دعم خارجي من دول إقليمية أو منظمات دولية؟
عند تحليل الوضع، يبدو أن الفلول لم يكن لديهم قاعدة شعبية تتيح لهم النجاح في تحركهم، ولم تُظهر التحقيقات أي دعم داخلي قوي من داخل الجيش أو الأجهزة الأمنية، علاوة على ذلك، كانت الدول الإقليمية والدولية في تلك المرحلة تدعم استقرار النظام الجديد، مما جعل فرص تمرد الفلول في النجاح ضئيلة للغاية. النظام الجديد، رغم فوضاه الداخلية، كان يمتلك القدرة على مواجهة هذه التحركات بسرعة وحسم.
هل كان الهدف استفزازًا لضرب العلويين؟
هذا السيناريو يبدو أكثر واقعية بناءً على مجريات الأحداث في تلك الفترة، قد يكون الهدف الأساسي من تحركات الفلول في الساحل هو استفزاز النظام الجديد وتحفيزه على الرد بعنف، ما يؤدي إلى تصعيد الوضع الطائفي في المنطقة، من المحتمل أن الفلول كان يسعون إلى إعادة إنتاج العنف الطائفي كما حدث في السابق، حيث كانت تلك التكتيكات جزءًا من استراتيجية النظام القديم للحفاظ على قوته، عبر تحريض الفئات الطائفية المختلفة ضد بعضها البعض.
في هذا السياق، كان من الممكن أن يتم استغلال أبناء الطائفة العلوية كأداة لتحقيق أهداف سياسية، حيث يتم دفعهم إلى موقف دفاعي أو انتقامي، مما يؤدي إلى إشعال فتيل العنف في المنطقة، وبالنظر إلى حالة الاقتصاد والأوضاع المعيشية الصعبة في تلك الفترة، قد يكون الفلول قد استفادوا من عدم استقرار الرواتب والمزايا العسكرية، مما ساعد في تجنيد بعض الأفراد للمشاركة في هذه التحركات.
ما حدث في اللاذقية لم يكن انقلابًا عسكريًا حقيقيًا، بل كان تحركًا استفزازيًا مدروسًا، يهدف إلى تصعيد الأوضاع وإثارة الفوضى مجددًا. الفلول، رغم سقوط النظام الذي دعمهم، لا يزالون يسعون لتوظيف العنف الطائفي وتوظيف دماء العلويين لتحقيق مكاسب سياسية، وبالتالي، فإن التعامل مع هذه التحركات يتطلب يقظة أمنية وسياسية عالية، لضمان عدم إعادة إنتاج cycles of violence (دورات العنف) التي شهدتها البلاد، ومنع توريط أي فئة اجتماعية في صراع طائفي مدمر.
من الضروري أن يتم بناء مؤسسات سياسية وأمنية قادرة على إدارة التنوع الاجتماعي بفاعلية، وتحقيق المصالحة بين مختلف المكونات. كما يجب تكثيف جهود تدريب كوادر أمنية وقانونية متخصصة للعمل على منع تجدد مثل هذه الانتهاكات وضمان استقرار الوطن.
شاهد أيضاً محمد… من طفلٍ يحمل التمر إلى شاهدٍ يوثّق الثورة بالكاميرا