كيف أصبحت سورية حرة وثلثها تحت الاحتلال؟ خطاب النصر الذي خذل الثوار
بعد أربعة عشر عاماً من الصمود والتضحيات، أتى إعلان “النصر” في سوريا ليصدم الجميع.
الخطاب الذي كان من المفترض أن يعبر عن انتصار الشعب السوري وتضحياته، تحول إلى مناسبة ضيقة اقتصر حضورها على قادة الفصائل العسكرية دون إشراك أي من مكونات الثورة الأخرى.
كان هذا الإعلان بمثابة إهانة لملايين السوريين الذين قدموا حياتهم، وأرواحهم، وأحلامهم في سبيل الحرية، وخصوصًا لأولئك الذين عانوا من التعذيب في سجون النظام أو الذين لا يزالون مفقودين.
إقصاء الشعب السوري في “خطاب النصر”
في هذا الاحتفال، تم تجاهل دور الشعب السوري المدني والمعتقلين والمفقودين، حيث لم يكن لهم مكان في هذا الحدث الذي احتكرته الفصائل العسكرية.
أين أهالي المعتقلين الذين قضوا سنوات في سجون النظام البائد؟ وأين أمهات وآباء المفقودين الذين لا يزالون ينتظرون أخبار أبنائهم؟، الحديث عن “النصر” في غياب هؤلاء يعتبر إهانة لتضحياتهم المستمرة.
كما أن قرار تنصيب أحمد الشرع رئيساً مؤقتاً لسورية لم يكن انعكاساً لإرادة الشعب، بل قراراً ضيقاً تم اتخاذه من قبل قادة عسكريين دون مراعاة للمجتمع المدني أو القوى الثورية.
الثورة السورية كانت شعبية بامتياز، قادها المدنيون قبل أن يتدخل العسكر، فالتهميش المستمر لهذا الجزء المهم من الحراك الثوري يعكس محاولة لإعادة إنتاج نظام استبدادي، ولكن بوجوه مختلفة.
كيف أصبحت سورية حرة والاحتلال يسيطر على جزء كبير منها؟
في الوقت الذي أعلن فيه أحمد الشرع عن “تحرير” سورية في خطابه، تجاهل تماماً معاناة أهل المناطق الشرقية الرقة، دير الزور، والحسكة التي تقع تحت احتلال ميليشيات قسد الإرهابية.
كيف يمكن اعتبار سوريا حرة والثلث الذي كان مهداً للثورة، لا يزال يرزح تحت الاحتلال؟ الرقة، التي كانت عاصمة التحرير وأول محافظة تحررت من عصابات الأسد، تعيش اليوم تحت سيطرة قسدية تمارس فيها أبشع الانتهاكات من قتل وتهجير وتجنيد للأطفال.
كيف يمكن اعتبار سوريا حرة إذا كانت تلك المناطق تعيش تحت طغيان هذه الميليشيات التي لا تختلف في ممارساتها عن النظام ذاته؟
إن الحديث عن “تحرير سورية” في هذا السياق هو بمثابة تجاهل تام للواقع المرير الذي يعيشه السوريون في المناطق المحتلة.
وهذا الخطاب لا يعبر عن الحقيقة، بل يكشف عن إعادة إنتاج للاستبداد بشكل جديد، حيث يتم تجاهل أصوات الشعب السوري وأبطال الثورة.
في الوقت الذي كان يجب فيه تكريم كل فئات الثورة السورية، يُستثنى أهل المناطق الشرقية الذين كانوا في طليعة المقاومة ضد النظام وقدموا التضحيات العظيمة.
التهميش: خرق لمطالب الثورة
قرار تعيين أحمد الشرع رئيساً لسورية في هذا الوقت، دون مشاركة حقيقية من القوى الثورية والمجتمع المدني، هو خرق واضح لمطالب الثورة.
هذا القرار جاء في غياب تام للشعب السوري، حيث غابت الأصوات الشعبية التي كانت تُعتبر يوماً ما جوهر الحراك الثوري.
ما جرى في “خطاب النصر” هو بمثابة إهانة لتاريخ الثورة السورية وتجاهل تام لتضحيات الشعب الذي عانى ولا يزال يعاني.
هذه الخطوة تكشف عن تهميش متعمد للفئات الثورية الأساسية، وتؤكد على استمرار غياب الشعب في اتخاذ القرارات المصيرية.
يجب على الشرع وحكومته العودة إلى جذور الثورة والشعب، وإشراك كافة فئات الشعب في العملية السياسية بعيداً عن الإقصاء والتهميش.
أما إذا استمرت الأمور بهذا الشكل، فإننا لن نحقق أهداف الثورة الحقيقية، بل سنظل نواجه تحديات جديدة تعيدنا إلى ذات النظام الاستبدادي الذي ثرنا عليه منذ البداية.
شاهد أيضاً حملة أهلية لتزيين مدينة الميادين في ريف دير الزور