سوريا

الاستثمار أولًا… عودة واشنطن إلى دمشق تحت مظلة الأمن والاستقرار

في خطوة مفاجئة تنذر بتحولات لافتة في السياسة الأميركية تجاه سوريا، افتتح المبعوث الأميركي إلى دمشق، توماس باراك، مقر إقامة السفير الأميركي في العاصمة السورية للمرة الأولى منذ انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل أكثر من 13 عامًا.

رسائل سياسية عبر بوابة الاستثمار والأمن

جاءت الخطوة في ظل مساعٍ أميركية لإعادة تموضعها في سوريا بعد هروب بشار الأسد في ديسمبر 2024، متجاوزةً سياسة العزلة إلى نهج جديد يقوم على تعزيز النفوذ عبر الاستثمار، ودعم الاستقرار، ومكافحة الإرهاب.

ويشير محللون إلى أن افتتاح مقر إقامة السفير يحمل دلالات رمزية قوية، تؤشر إلى بداية مسار تطبيع تدريجي مع الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع.

اعتراف ضمني وتحول في مقاربة واشنطن

الباحث السياسي مؤيد غزلان قبلاوي وصف الخطوة بأنها تحمل “رسالة دبلوماسية عميقة”، تمهد لرفع تدريجي للعقوبات الأميركية، وتشرعن الحكومة الجديدة دوليًا، وتؤسس لمحور عربي مشترك في محاربة الإرهاب.

وقال قبلاوي في تصريح إعلامي إن واشنطن انتقلت من “مرحلة الترقب والحذر إلى مرحلة الانخراط النشط في المشهد السوري”، خصوصًا مع سقوط الخلايا النائمة لتنظيم الدولة في حلب وريف دمشق مؤخرًا.

لقاءات رفيعة المستوى تؤكد الانفتاح

وزارة الخارجية السورية أعلنت أن باراك التقى الرئيس أحمد الشرع وعددًا من كبار المسؤولين، بينهم وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز الاستخبارات حسين السلامة.

وأشاد باراك خلال اللقاءات بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمنح دمشق “فرصة دون شروط مسبقة”، مشيرًا إلى أن الرؤية الجديدة لواشنطن تقوم على عدم التدخل المباشر مع تشجيع الاستقرار المحلي.

أفق اقتصادي وانفتاح مشروط

من جانبه، أكد الباحث ستيفن هايدمان من معهد “بروكينغز” أن الخطوة تعكس اهتمامًا متجددًا من إدارة ترامب بالملف السوري، لكنها في الوقت ذاته ترتبط بإشارات واضحة لوجوب التغيير داخل المؤسسات السورية، خصوصًا في القضاء وملف الحريات.

وحذر هايدمان من أن رفع العقوبات بالكامل – خاصة قانون قيصر – يبقى مشروطًا بخطوات ملموسة في مجال حقوق الإنسان والحكم الرشيد، مشيرًا إلى أن الحكومة السورية تواجه تحديات كبيرة في إعادة هيكلة مؤسساتها.

إسرائيل و”قسد”: ملفات معقدة في المشهد الجديد

على صعيد العلاقات الإقليمية، شدد قبلاوي على ضرورة استيعاب قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لمعادلة الواقع الجديد، معتبرًا أن “الشرعية تتجه نحو دمشق، لا العكس”، في ظل تأخر إدماجها في بنية وزارة الدفاع.

أما فيما يخص العلاقة مع إسرائيل، فأكد هايدمان أن اتفاقية “عدم اعتداء” بين الطرفين ستفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات إلى سوريا، لاسيما أن الأمن هو العائق الأكبر أمام إعادة الإعمار.

وفي تصريحات باراك الأخيرة، أكد على “الحاجة إلى اتفاقية عدم اعتداء كبداية لحوار أوسع حول ترسيم الحدود وضمان استقرار دائم في المنطقة”.

دور تركي في المرحلة المقبلة

وفي مؤشر على تنسيق إقليمي أوسع، تم تعيين السفير الأميركي في تركيا مبعوثًا خاصًا إلى دمشق، في خطوة وصفها هايدمان بأنها تعكس دور أنقرة المحوري في رسم مستقبل سوريا السياسي، مشددًا على أن المبعوث الجديد “يعرف المنطقة جيدًا ويتمتع بخبرة استراتيجية في ملفات الشرق الأوسط”.

شاهد أيضاً : دير الزور تستاهل .. حملة شعبية تُعيد صوت المحافظة المنسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى